قال : بلى مرارا كثيرة ، منها ما حكى الله من قولهم ... (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) ... وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان قاعدا ذات يوم بمكّة بفناء الكعبة ، اذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش منهم : الوليد بن المغيرة المخزومي (كذا) وأبو البختري ابن هشام ، وأبو جهل ، والعاص بن وائل السهمي ، وعبد الله بن أبي اميّة المخزومي ، وكان معهم جمع ممّن يليهم كثير. ورسول الله صلىاللهعليهوآله في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ويؤدّي إليهم عن الله أمره ونهيه.
فقال المشركون بعضهم لبعض : لقد استفحل أمر محمّد وعظم خطبه ، فتعالوا نبدأ (كذا) بتقريعه وتبكيته وتوبيخه والاحتجاج عليه وابطال ما جاء به ، ليهون خطبه على أصحابه ويصغر قدره عندهم ، فلعله ينزع عمّا هو فيه من غيّه وباطله وتمرّده وطغيانه ، فان انتهى والّا عاملناه بالسيف الباتر!
قال أبو جهل : فمن ذا الّذي يلي كلامه ومجادلته؟
قال عبد الله بن أبي اميّة المخزومي : أنا لذلك ، أفما ترضاني له قرنا حسيبا ومجادلا كفيّا؟
فاتوه بأجمعهم ، فابتدأ عبد الله بن أبي اميّة المخزومي فقال :
يا محمّد! لقد ادّعيت دعوى عظيمة وقلت مقالا هائلا : زعمت أنك رسول ربّ العالمين ، وما ينبغي لربّ العالمين وخالق الخلق أجمعين أن يكون رسوله : بشر مثلك تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب وتمشي في الأسواق كما نمشي! وهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولا الّا كثير المال عظيم الحال ، له قصور ودور ، وفساطيط وخيام ، وعبيد وخدام ، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم فهم عبيده ، فلو كنت نبيا لكان معك ملك يصدقك ونشاهده. بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيا لكان إنما يبعث إلينا ملكا لا بشرا مثلنا.