فنلاحظ إن كان النصّ منسجما مع هذه الشخصية العظيمة قبلناه ، وإلّا رددناه. وإلّا فكيف ننسب إلى هذه الشخصية أنّه حمل حليلته عائشة على متنه لتشاهد أغاني السودان؟! أو أنّه شرب النبيذ؟! أو أنّه بال قائما؟! أو أنّه شكّ في نبوّته؟! أو أنّه أثنى على الأوثان تقريبا للمشركين إلى نفسه؟! وما شاكل ذلك.
٣ ـ وبالاقتداء بالقرآن الكريم الّذي إنّما خاطب اولي الألباب والعقول ، وجعل العقل ـ القطعيّ الاتفاقيّ ـ حكما فيما يقول وذمّ العقلاء على مخالفتهم لحكم عقولهم ... فليكن ذلك هو موقفنا في جميع القضايا التأريخية أيضا ، فنتأكد من إمكان حدوثه تأريخيا.
هذا بعد التأكد من سلامة النصّ من التناقض والمعارض ، والنظر في طبقات الرّواة وعلاقاتهم السياسية وغيرها ، والتأكد من سلامة سند النصّ من الوضّاعين والكذّابين وأصحاب الأهواء السياسية وغيرها.
بعد كلّ ذلك وبالأخذ بنظر الاعتبار جميع تلك المقاييس ، يكون بإمكاننا أن نقوّم النصوص غير القليلة الّتي تسعى أن تصوّر الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله بمظهر صبيّ جاهل عاجز مهين! فلا ندع لها فرصة التسلّل إلى سيرته صلىاللهعليهوآله.
وحينئذ يكون بإمكاننا أن نتقدم إلى المسلمين بنصّ من ثروة التراث يكون مصدر فخر واعتزاز.
وهذه ميزة يمتاز بها تأريخ الإسلام ، وهي أنّه ينطلق عن قواعد بإمكانها أن تهدي الباحث إلى الطرق الامينة والّتي بإمكان سالكها أن يصل بها إلى الحقيقة الّتي يريدها مطمئنّ النفس راضي الضمير ، شريطة التزامه بتلك القواعد والضمانات المشار إليها فيما مرّ.