وهذا هو الهرج (الفوضى) العجيب الذي كان يبرز في كلّ عدّة معدودة منهم بلون ، ويظهر في كلّ ناحية من أرض شبه الجزيرة بشكل مع الرسوم العجيبة والاعتقادات الخرافيّة الدائرة بينهم. أضف إلى ذلك بلاء الاميّة وفقدان التعليم والتعلّم في بلادهم فضلا عن العشائر والقبائل.
وكلّ هذا الذي ذكرناه من أحوالهم وأعمالهم والعادات والمراسيم الدائرة بينهم هو ممّا يستفاد من سياق الآيات القرآنيّة والخطابات التي تخاطبهم بها ، أوضح إفادة ، فتدبّر في المقاصد التي ترومها الآيات والبيانات التي تلقيها إليهم بمكّة أوّلا ، ثمّ بعد ظهور الإسلام وقوّته بالمدينة ثانيا ، وفي الأوصاف التي تصفهم بها ، والامور التي تذمّها منهم وتلومهم عليها ، والنواهي المتوجّهة إليهم في شدّتها وضعفها ... إذا تأمّلت كلّ ذلك تجد صحّة ما ذكرناه. والتأريخ كذلك يذكر كلّ ذلك ويعرض من تفاصيله ما لم نذكره ، لإجمال الآيات الكريمة وإيجازها القول فيه. وأوجز كلمة وأوفاها لإفادة مجمل هذه المعاني ما سمّى القرآن به هذا العهد «الجاهليّة» فقد أجمل في معناها كلّ هذه التفاصيل. هذا حال عالم العرب ذلك اليوم.
وأمّا العالم المحيط بهم ذلك اليوم من الفرس والروم والحبشة والهند وغيرهم ، فالقرآن يجمل القول فيه أيضا.
أمّا أهل الكتاب منهم أعني اليهود والنصارى ومن يلحق بهم (من المجوس والصابئة) فقد كانت مجتمعاتهم تدار بالأهواء الاستبداديّة والتحكّمات الفرديّة من الملوك والرؤساء والحكّام والعمّال ، فكانت مقتسمة طبعا إلى طبقتين : طبقة حاكمة فعّالة لما تشاء ، تعبث بالنفس والعرض والمال وطبقة محكومة مستعبدة مستذلّة لا أمن لها في مال ولا عرض ولا نفس ولا حرّيّة ولا إرادة إلّا ما وافق من يفوقها. وقد كانت الطبقة الحاكمة استمالت علماء الدين وحملة الشرع وائتلفت بهم ، وأخذت مجامع قلوب العامّة وأفكارهم بأيديهم ، فكانت بالحقيقة هي الحاكمة في