وأمّا الأولاد فكانوا ينسبون إلى الآباء لكنّهم لا يورّثون صغارا ويذهب الكبار بالإرث ، ومن الإرث زوجة المتوفّى ، ويحرم الصغار ـ ذكورا أو إناثا ـ والنساء. نعم لو ترك المتوفّى صغيرا ورثه ولكنّ الأقوياء يتولّون أمر اليتيم ويأكلون ماله ، ولو كان اليتيم بنتا تزوّجوها وأكلوا مالها ثمّ طلّقوها وخلّوا سبيلها ، فلا مال تقتات به ولا راغب في نكاحها ينفق عليها. والابتلاء بأمر الأيتام من أكثر الحوادث المبتلى بها بينهم لدوام الحروب والغارات والغزوات فطبعا كان القتل شائعا بينهم.
وكان من شقاء أولادهم أنّ بلادهم الخربة وأراضيهم القفرة البائرة كان يسرع إليها الجدب والقحط ، فكان الرجل يقتل أولاده خشية الإملاق : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ)(١) وكانوا يئدون البنات : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)(٢) وكان من أبغض الأشياء أن يبشّر الرجل بالانثى : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ)(٣).
وأمّا وضع الحكومة بينهم : فأطراف الجزيرة وإن كانت ربّما ملك فيها ملوك تحت رعاية أقوى الجيران وأقربها كإيران لنواحي الشمال ، والروم لنواحي الغرب ، والحبشة لنواحي الجنوب ، إلّا أنّ قرى الأوساط كمكّة ويثرب والطائف وغيرها كانت تعيش في وضع أشبه بالجمهوريّة وليس بها ، والعشائر في البدو بل حتّى في داخل القرى كانت تدار بحكومة رؤسائها وشيوخها ، وربّما تبدّل الوضع بالسلطنة.
__________________
(١) الإسراء : ٣١.
(٢) التكوير : ٨ ، ٩.
(٣) النحل : ٥٨ ، ٥٩.