وقال : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ)(١).
وقال : (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى)(٢).
كانت العرب يومئذ تجاور في جنوبها الحبشة وهي نصرانيّة ، وفي مغربها إمبراطوريّة الروم وهي نصرانيّة أيضا ، وفي شمالها الفرس وهم مجوس ، وفي غير ذلك مصر والهند وهما وثنيّتان ، وفي أرضهم طوائف من اليهود. وهم وثنيّون يعيش أكثرهم عيشة القبائل ، وهذا كلّه هو الذي أوجد لهم اجتماعا همجيّا بدويّا فيه أخلاط من رسوم اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة ، وهم سكارى في جهالتهم.
وكانت العشائر البدو على ما لهم من خساسة العيش ودناءته يعيشون بالغزوات وشنّ الغارات واختطاف ما في أيدي الآخرين من متاع أو عرض ، فلا أمن بينهم ولا أمانة ، ولا سلم ولا سلامة ، والأمر لمن غلب ، والملك لمن وضع يده عليه «ومن عزّ بزّ».
أمّا الرجال فالفضيلة بينهم سفك الدماء والحميّة الجاهليّة والكبر والغرور واتّباع الظالمين وهضم حقوق المظلومين ، والتعادي والتنافس ، والقمار وشرب الخمر والزنا ، وأكل الميتة وحشف التمر.
وأمّا النساء فقد كنّ محرومات من مزايا المجتمع الإنساني لا يملكن من أنفسهنّ إرادة ولا من أعمالهنّ عملا ، ولا يملكن ميراثا ، ويتزوّج بهنّ الرجال من غير تحديد بحدّ ، كما عند اليهود وبعض الوثنيّين ، ومع ذلك فقد كنّ يتبرّجن بالزينة ويدعن من أحببن إلى أنفسهنّ ، وفشا فيهنّ الزنا والسفاح حتّى المحصنات المزوّجات منهنّ ، ومن عجيب بروزهن أنّهنّ ربّما كنّ يطفن بالبيت ليلا عاريات من ثيابهنّ (لأنّهنّ لا يجدن إحراما طاهرا).
__________________
(١) الفتح : ٢٦.
(٢) الأحزاب : ٣٣.