يا عليّ إنهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه. ثمّ جعل علي عليهالسلام يسوق بهن سوقا رفيقا وهو يقول :
وليس الا الله فارفع ضنكا |
|
يكفيك ربّ الناس ما أهمّكا |
فلما شارف ضجنان أدركه الطلب سبعة فوارس من قريش مستلئمين متلثمين ، وثامنهم مولى الحارث بن أميّة يدعى جناحا. فأقبل علي على أيمن وأبي واقد وقد تراءى القوم فقال لهما : انيخا الابل واعقلاها. وتقدم حتّى أنزل النسوة.
ودنا القوم فاستقبلهم علي منتضيا سيفه ، فأقبلوا عليه وقالوا : ظننت أنك يا غدّار ناج بالنسوة ، ارجع لا أبا لك. قال : فان لم أفعل؟ قالوا : لترجعنّ راغما أو لنرجعن باكثرك شعرا ، وأهون بك من هالك!
ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوّروها ، فحال علي عليهالسلام بينهم وبينها ، فأهوى له جناح بسيفه ، فراغ علي عليهالسلام عن ضربته ، وتختّله علي عليهالسلام فضربه على عاتقه فأسرع السيف مضيا فيه حتّى مسّ كاثبة فرسه. فكان علي عليهالسلام يشد على قدمه كشدّ الفارس على فرسه ، فشدّ عليهم بسيفه وهو يقول :
خلّوا سبيل الجاهد المجاهد |
|
آليت لا أعبد غير الواحد |
فتصدّع القوم عنه وقالوا : احبس نفسك عنّا يا بن أبي طالب. قال :
فانّي منطلق الى ابن عمي رسول الله بيثرب ، فمن سرّه أن افري لحمه واهريق دمه فليتّبعني أو فليدن منّي. ثمّ أقبل على صاحبيه : أيمن وأبي واقد فقال لهما : أطلقا مطاياكما.
ثمّ سار ظاهرا قاهرا حتّى نزل ضجنان ، فلبث بها قدر يومه وليلته ، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله صلىاللهعليهوآله. وبات هو تلك الليلة ومعه الفواطم : أمه فاطمة بنت أسد ـ رضي الله عنها ـ وفاطمة بنت رسول الله ، وفاطمة بنت الزبير يصلون ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ، ولم يزالوا كذلك حتّى طلع الفجر فصلى بهم علي عليهالسلام صلاة الفجر ، ثمّ سار لوجهه يجوب منزلا بعد منزل لا يفتر عن ذكر الله ، وكذلك الفواطم وغيرهن