(فاندفع ما يتوهّم في المقام من لغويّة هذه النواهي الخاصّة باعتبار كفاية الأصل ، ووجه الاندفاع كون موضوع الأصل يرتفع بقيام الدليل فتأمّل مضافا إلى ورود بعض الأدلّة الدالّة على الإباحة في موارد جريان أصالة الإباحة واستصحابها) (١).
بقي شيء هو أن الأدلّة العامّة الدالّة على عدم حجّية الظنّ مثل قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (٢) (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٣) (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ)(٤) وشبهها هل يمكن التمسّك بها عند الشكّ في حجّية أمارة من الأمارات لنفيها أم لا يمكن التمسّك بها فلا يبقى إلّا حكم العقل؟ ذهب الميرزا النائيني قدسسره إلى عدم إمكان التمسّك بها لإثبات ذلك ، ووجهه أنّ المقام ليس من قبيل أنّ هذه العمومات تخصّص بالأدلة الدالّة على حجّية الظنّ المخصوص فبمجرّد الشكّ في التخصيص يتمسّك بالعموم ، بل إنّ الأدلّة الدالّة على حجّية الظنون الخاصّة لا تقول : إنّ هذا ظنّ وهو خارج عن حرمة العمل بالظنّ ، بل تقول : إنّه علم ، فيكون خروجه بنحو التخصّص لا بنحو التخصيص. وحينئذ فإذا شكّ في حجّية ظنّ من الظنون ففي الحقيقة يؤول الشكّ إلى الشكّ في كونه علما أو ظنّا. ومعلوم أنّ التمسّك بعموم الآيات حينئذ من قبيل التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقيّة ولا ريب في عدم جوازه (٥) كما قدّمناه مفصّلا.
والظاهر أنّ ما ذكره قدسسره لا يمكن المساعدة عليه لما قدّمناه من أنّ معنى الحجّية المبحوث عنها في المقام الحجّية بمعنى جواز الاستناد إليها في مقام العمل وجواز
__________________
(١) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٢) الاسراء : ٣٦.
(٣) يونس : ٣٦ ، والنجم : ٢٨.
(٤) النجم : ٢٣ ، والانعام : ١١٦.
(٥) انظر أجود التقريرات ٣ : ١٤٨.