ثمّ إنّ الآخوند قدسسره قال : وإن أبيت إلّا عن تثليث الأقسام فالأولى أن يقال : إنّ المكلّف إمّا أن يحصل له القطع أو لا ، وعلى الثاني إمّا أن يقوم عنده طريق معتبر أم لا ، لئلّا يتداخل الأقسام فيما يذكر لها من الأحكام ، ومرجعه على الأخير إلى القواعد المقرّرة عقلا أو نقلا لغير القاطع (١). وكأنّه أشار بقوله : «لئلّا يتداخل ... إلى آخره» إلى أنّ الظنّ قد يدلّ الدليل على اعتباره فيلحق بالقطع ، والشكّ قد يكون موجودا والظهور على خلافه ويعمل على الظهور مثلا فيكون حكمه حكم القطع ، ففي هذه الموارد يقع التداخل.
والظاهر أنّ الطريقة الّتي سار عليها الشيخ الأنصاري قدسسره أنسب ، لأنّ العبد عند التفاته إلى كونه عبدا وأنّ هناك له مولى وأنّه كلّفه وأمره بأشياء فلا بدّ له من القيام بلوازم العبوديّة ، وهي تحصيل المؤمّن له من تكاليفه الواقعيّة ، فإن كان قاطعا بالحكم فمؤمّنه القطع بالحكم إذ القطع منجّز ومعذّر ، وإن كان له ظنّ قام الدليل على اعتباره فالظنّ هو المؤمّن له ، وإن فقد الظنّ أيضا فلا بدّ له من تحصيل المؤمّن من الاصول العمليّة المقرّرة للجاهل في مقام العمل ، فإنّها في ظرف الشكّ مؤمّنة له. وأمّا تعميمه الحكم إلى الظاهري والواقعي فليت شعري انّ الحكم الظاهري ما اخذ الشكّ بالواقع موضوعا له فما لم يتحقّق الشكّ بالواقع لا يوجد الحكم الظاهري لعدم موضوعه ، فيلزم أن يذكر في مرحلة الشكّ بالحكم. وأمّا التداخل الّذي زعمه فلا يرد أيضا ، لأنّ الشيخ بنفسه يصرّح في باب البراءة أنّ المراد بالشكّ كلّما لم يقم دليل شرعي على اعتباره ، وحينئذ فيشمل ما زعمه من أقسام الظنّ ويكون داخلا في الشكّ بتصريحه قدسسره (٢) فافهم وتأمّل.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٢٩٧.
(٢) فرائد الاصول ٢ : ١١.