الأنبياء على الله ووجوب نصب الإمام على الرعيّة هي بنفسها تثبت أنّ هذا الاتّفاق كاشف عن قول المعصوم عليهالسلام عقلا ، وإلّا للزم عليه أن يردعهم ويظهر الخلاف فيما بينهم ، فعدم ظهور الخلاف يكون كاشفا عن إمضائه ما أفتى به العلماء.
ولا يخفى عليك ما فيه ، فإنّ قاعدة اللطف على تقدير تسليمها إنّما تقتضي تبليغ الأحكام بالطرق المألوفة والسير المعروفة ، بأن يبلّغ النبيّ وأوصياؤه سلام الله عليهم أجمعين الأحكام المودعة عندهم إلى أصحابهم ومعاصريهم ، فإذا بلّغوا ذلك وخفي علينا لتضييع بعضها وكتمان الأعداء البعض الآخر فليس حينئذ انتفاء اللطف مستندا إلى تقصيرهم أو إلى أمر يرجع إليهم وإنّما يرجع إلى امور أخر خارجيّة.
نعم ، لو ثبت ما رواه العامّة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله من قوله : لا تجتمع امّتي على الخطأ (١) لكان اتّفاقهم كاشفا عن الصواب ، ولكن هذا الحديث لم يثبت لدينا صحّته أصلا. ولو لزم على الإمام عليهالسلام أن ينقذ امّته من كلّ خطاء بقاعدة اللطف للزم عليه أن يظهر فيبيّن للمجتهد المخطئ في حكم خطأه فيه ، لأنّ قاعدة اللطف لا فرق فيها بين جميع العالم أو أهل قرية أو مدينة ، فلو أنّ مجتهدا أفتى لمقلّديه بحكم من الأحكام وكان فتواه خلاف الحكم الواقعي للزم على الإمام أن يبيّنه له ، وهذا ممّا لا يلتزم به أحد. على أنّ ظهوره عليهالسلام إن كان مع عدم علم السامع أنّه هو الإمام فلا يجدي خلافه ولا يعتني به ، وإن كان مع العلم بأنّه الإمام فهو وإن كان حسنا إلّا أنّه مقطوع بعدمه.
الثاني : أنّ الخبر إذا تكثّر المخبرون به ففي إخبار أوّل مخبر يحصل احتمال صدق الخبر وفي الثاني يحصل الظنّ وفي الثالث يتأكّد الظنّ وهكذا حتّى يصل إلى مرتبة القطع ، فكما أنّ تكثّر المخبرين بخبر يوجب اضمحلال احتمال الخلاف وانعدامه بالوجدان فهكذا اتّفاق الفقهاء على حكم ، ضرورة أنّه إخبار عن رأي المعصوم بحسب ظنّه واجتهاده.
__________________
(١) كنز العمال ١ : ٢٠٦ وفيه : «لن تجتمع امتي على ضلالة».