ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به ويترك الشاذّ الّذي ليس بمشهور ... إلى آخره (١).
والجواب : أنّ المراد الشهرة الروائيّة لا الفتوائيّة كما هو محلّ الكلام ، (وذلك لأنّ قول الإمام : «فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه» ممّا يعطي أنّ اتّفاق جماعة عليه يوجب عدم الريب فيه بالإضافة إلى الآخر. والفتيا لمّا كانت من الامور النظريّة لم تكن حينئذ الشهرة رافعة للريب فيها ، لأنّها من الامور الحدسيّة وخطأ المشهور فيه غير بعيد كإصابة الشاذّ النادر ، بخلاف الامور الحسيّة كالشهرة في الرواية ، فإنّ تطابق اثنين يوجب ضعف احتمال الخلاف) (٢). ولا إطلاق في المقام حتّى يتمسّك به في المورد فإنّ من سألك : أيّ الرمّان أحبّ إليك؟ فقلت : الحامض ، فهل فيه إطلاق لكلّ حامض أم لخصوص ما سألت عنه؟ ولذا صحّ أن يكون الروايتان مشهورتين ، مع عدم إمكان شهرتين في الفتوى. وحينئذ فالمراد بالشهرة الروائيّة كونها يعرفها كلّ أحد حتّى راوي الشاذّ النادر ، والمراد بالنادر ما لا يعرفه كلّ أحد. فالمراد بالشهرة المعنى اللغوي وهو الظهور لا أن يعرفها أغلب الناس ولا يعرفها البعض منهم بل يعرفون الشاذّة ، فافهم وتأمّل.
الثاني : أنّ الظنّ المستفاد من الشهرة أقوى بمراتب من الظنّ المستفاد من خبر الواحد ، فالشهرة أولى بالقبول من الخبر.
والجواب : أنّ هذا الدليل مبنيّ على كون خبر الواحد حجّة من جهة إفادته الظنّ ، وإن ملاك حجّيته الظنّ فالملاك الّذي أوجب حجّية الخبر يوجب حجّية الشهرة بالأولويّة ، لأقوائيّة الظنّ فيها على الظنّ فيه ، وليس الأمر كذلك فإنّا لا نعلم أنّ ملاك حجّية الخبر الواحد إفادته الظنّ ، بل يمكن أن يكون ملاك حجّيته اطّلاع
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ٧٦ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث الأوّل.
(٢) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.