الثالث من أدلّة المانعين عن العمل بأخبار الآحاد : عموم ما دلّ من الآيات على المنع عن العمل بغير العلم وعن العمل بالظنّ ، مثل قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) ، (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٢) بدعوى أنّ خبر الواحد ظنّ وغير علم فيكون مشمولا لها.
والجواب : أنّ الدليل إذا دلّ على حجّية الخبر الواحد يكون حاكما على هذه الأدلّة ورافعا لموضوعها ، لأنّه حينئذ يكون علما لا ظنا ولا غير علم ، نظير البيّنة فهل في الاصوليين من يمنع عن العمل بها لعموم هذه الآيات؟ كلّا.
ولو سلّم أنّ العلميّات ـ كالبيّنة وخبر الواحد وغيرها ـ ليست حاكمة فهي حينئذ أخصّ ، فتكون مخصّصة لهذه العمومات.
ولو سلّم ورود المنع مثلا عن خصوص خبر الواحد ، فلا ريب أيضا أنّ له إطلاقا لخبر الثقة وغيره فيقيّد بما دلّ على حجّية خبر الثقة. هذا إن قلنا إنّ ظاهر هذه النواهي النهي المولوي كما استظهرناه فيما سبق ، (وأمّا بناء على ما قوّيناه أخيرا من كون هذه النواهي إرشاديّة إلى حكم العقل بلزوم تحصيل المؤمّن القطعي من تبعة التكاليف فيكون مفادها النهي عن اتّباع غير الحجّة لعدم حصول المؤمّن من اتّباع غيرها ، فليس حينئذ لسانها في مقام إثبات أنّ أيّ شيء حجّة وأيّ شيء ليس بحجّة ، فما دلّ على حجّية خبر الواحد يكون العمل به حينئذ عملا بعلم ، لأنّه عمل بما دلّ على حجّية خبر الواحد وهو دليل قطعي ، فافهم) (٣). هذا تمام الكلام في حجّة النافين لحجّية أخبار الآحاد.
__________________
(١) الإسراء : ٣٦.
(٢) النجم : ٢٨.
(٣) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.