وإن التفت إلى حكم يختصّ به غيره مثل أحكام الحيض للنساء مثلا فقطع به ، ربّما يقال : إن القطع إنّما يكون حجّة إذا كان بالنسبة إلى نفس القاطع له أثر ، وقطع المرء في حقّ غيره لا قيمة له لعدم استطاعته ترتيب آثاره ومن يستطيع ترتيب آثاره لا قطع له به ، كما أنّه ربّما تتسرى المقالة إلى بعض الأحكام الّتي ليست بفعليّة ، بل إلى بعض الأحكام الّتي ربّما لا تكون فعليّة أصلا فكيف يكون قطعه بها حجّة؟
فالأوّل مثل أنّ المبتدئة تتحيّض بمجرّد الرؤية.
والثاني مثل وجوب الحج على من وجد الزاد والراحلة وإن كان بعد مجيئه من الحجّ يكون معدما ويكون استنباطه لهذا الحكم في محرّم الحرام بعد أن حجّ المجتهد نفسه ، فليس هذا الحكم فعليّا أصلا ، كما أنّه ليس للمجتهد عمل يرتبط به أصلا.
والثالث مثل فرض ستّة عشر جدّا للميّت الواحد ، فإنّه ربّما لا يكون مثل هذا الحكم فعليّا أصلا.
ولكن لا يخفى أنّ المجتهد إنّما يستنبط الحكم المنشأ بنحو القضيّة الحقيقيّة ، وهو لا يستدعي وجود الموضوع خارجا حتّى يصير فعليّا كما أنّه يستنبط الحكم الواقعي سواء كان لعمله ربط به أم لا ، فهو نظير الإمام عليهالسلام في إخباره عن الأحكام الواقعيّة غير أنّ أقوال الإمام عليهالسلام دائمة المطابقة ، وأقوال المجتهد قد تصيب وقد تخطئ ، والأثر لقطعه ليس هو التنجيز ، بل هو جواز الإفتاء لدخوله فيمن أفتى بالحكم وهو عالم به. وفي صورة الظنّ المعتبر أيضا يجري الكلام عينا حرفا بحرف.
ولكنّ الكلام كلّ الكلام في صورة شكّه في الحكم الواقعي الّذي ليس محلّا لابتلائه بنفسه في عمله ، فإنّ إجراء الاصول العمليّة إنّما هي بالنسبة إلى الشاكّ فهي تعيّن له عمله ، ومن ثمّ كانت مرجعا في مقام العمل للمتحيّر فكيف يجريها المجتهد في هذه الصورة؟ وقد ادّعى بعضهم (١) النيابة بمعنى أنّ المجتهد ينوب
__________________
(١) هو الشيخ الأنصاري كما صرّح به في دراسات الاصول ٢ : ١٧.