القطع في الواجبات والمحرّمات ، فإسناد الحكم للعقل إن كان بمعنى إدراكه حسن ترتيب الآثار لا بأس به ، وقد اطلق حكم العقل على إدراكه في اصطلاح الفلاسفة ، بل أطلقوا الحكم على نفس الإدراك في عدّة موارد.
إذا عرفت هذا فالحجيّة بهذا المعنى قد صارت من لوازم القطع عقلا ، (لأنّه إذا قطع بشيء واجب فقد قطع بلزوم فعله ، وبين هذين القطعين هذه الملازمة العقلية) (١). وحينئذ فلا يمكن للشارع أن يجعلها تشريعا ولا تكوينا إلّا بالعرض ، بأن يكوّن صفة القطع في الإنسان فيحصل لازمه حينئذ قهرا ، (وهذا لا يختصّ بالشارع ، بل يمكن أن يوجد زيد صفة القطع في عمرو بتمهيد المقدّمات المفيدة لقطعه) (٢).
هذا تمام الكلام في الحجّية.
وأمّا الكلام في المقام الثالث فنتعرّض له عند تعرّض الآخوند قدسسره له ، وهو بعد مبحث التجرّي.
ثمّ إن تقسيم الملتفت إلى القاطع والظانّ والشاكّ لا يخصّ المجتهد كما توهّم (٣) بل يشمل حتّى المقلّد ، فإنّ كل ملتفت إلى الحكم الفعلي إن كان قاطعا به يرتّب آثار القطع عليه بلا توقّف ، وإن كان ظانّا به ظنّا معتبرا فكذلك ، وإن كان شاكّا فله أحكام الشاكّ.
نعم ، هناك فرق وهو أنّ المجتهد يستطيع إجراء البراءة العقليّة وهي قبح العقاب بلا بيان ، لتمكّنه من إحراز عدم البيان إذا تفحّص فلم يجد ، لكن المقلّد لا يستطيع ذلك ـ يعني إجراء البراءة ـ لعدم تمكّنه من إحراز شرطها.
إذا عرفت هذا فالمجتهد إذا التفت إلى حكم فعلي له بخصوصه أو يشترك فيه مع غيره فقطع به أو ظنّ أو شكّ فلا إشكال في صحّة ترتيب آثاره عليه.
__________________
(١ و ٢) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٣) انظر كفاية الاصول : ٢٩٦.