والجواب : أنّ التصديق الّذي هو محلّ البحث وإن كان بمعنى ترتيب الأثر في مقام العمل ، والتصديق الّذي دلّت الآية على مرغوبيّته التصديق بمعنى عدم تكذيب المخبر والعمل بما فيه الاحتياط فيما بينه وبين نفسه ، ولكنّه يظهر للمخبر تصديقه بمعنى أن لا يكذبه ، وهذا أمر أخلاقي لا دخل له بالتصديق الّذي هو محلّ الكلام. نعم لو كان المراد من الإيمان في الآية التصديق بمعنى ترتيب الأثر في مقام العمل لكانت دلالتها سليمة ، ولكنّها بمعنى أن لا نكذّبه فنحمل ، ويشهد له خبر إسماعيل : إذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم ، إنّ الله يقول : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)(١).
وقد ذكر الشيخ الأنصاري قدسسره أنّ تغيير السياق في الآية بتعدية «يؤمن» الاولى بالباء والثانية باللام شاهد على ذلك (٢).
ولا يخفى ما فيه ، فإنّ التعدية ل «يؤمن» بطبعها بالباء تارة وباللام اخرى ، وذلك فإنّ الإيمان إن كان بوجود شيء فالتعدية بالباء ، وإن كان بقول الموجود فالتعدية باللام ، فمعنى (يُؤْمِنُ بِاللهِ) يصدّق بوجوده ومن ثمّ عدّيت بالباء مثل : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ)(٣) بمعنى بوجود الله وبوجود رسوله بما أنّه رسوله ، ومعنى : (يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)(٤) يعني يصدّق أقوالهم مثل : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ)(٥) ومثل قوله : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ)(٦) أي بقولنا. وحينئذ فلا معنى لقوله :
__________________
(١) الوسائل ١٣ : ٢٣٠ ، الباب ٦ من أبواب أحكام الوديعة ، الحديث الأوّل.
(٢) فرائد الاصول ١ : ٢٩٤.
(٣) الأعراف : ١٥٨.
(٤) التوبة : ٦١.
(٥) العنكبوت : ٢٦.
(٦) يوسف : ١٧.