المظنون ليس وأصلا إذ الكلام بعد في حجّيته ، وليس العقاب ممّا يترتّب على مخالفة التكاليف الواقعيّة ، وإلّا لزم عند احتمال التكليف الواقعي لزوم دفع الضرر المحتمل أيضا كما نلتزم به في أطراف العلم الإجمالي ولا يلتزم القائل بلزوم دفع الضرر المحتمل عند احتمال التكليف الواقعي ، وليس ذلك إلّا لعدم الملازمة بينهما (١).
ووجود المؤمّن في الضرر المحتمل وهو قاعدة قبح العقاب بلا بيان بعينها موجودة في الضرر المظنون أيضا.
وبهذا ظهر ما في كلام الآخوند قدسسره (٢) من قوله : إنّ العقل وإن لم يستقلّ بالتنجيز بمجرّد الظنّ فلا يستقلّ أيضا بعدم التنجيز من الضعف ، فإنّ العقل لا يعقل أن يتردّد في حكم نفسه ، لأنّه إن وجد موضوعه يحكم ، وإلّا فلا ، فلا معنى لتردّده أصلا في المقام ، فإنّ العقاب إن كان على مخالفة التكليف الواصل فلا مجال له في المقام ، وإن كان على مخالفة التكليف الواقعي فلا مجال لعدم استقلاله ، فافهم وتأمّل.
وإن كان المراد من الضرر الضرر الدنيوي فمعلوم أنّ مخالفة الأحكام الإيجابيّة بناء على التبعيّة للمصالح والمفاسد في المتعلّقات ليس فيه ضررا ، بل عدم المصلحة ، وعدم المصلحة ليست ضررا. والأحكام التحريميّة أيضا تارة لا يكون في مخالفتها ضرر أصلا كالكذب الغير الضارّ لأحد ، واخرى تكون في مخالفتها ضررا نوعيّا لا شخصيّا نظير أكل أموال الناس وغيرها ، ولا يستقلّ العقل بلزوم دفع غير الضرر الشخصي ، وتارة تكون الأحكام التحريميّة فيها ضررا شخصيّا كما في أكل لحم الميتة مثلا وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير مثلا وشبهها ، إلّا أنّ كلامنا في التكليف الّتي توجب مخالفتها عقابا ولم يعلم أنّ في إلقاء الإنسان نفسه في هذه المفاسد المذكورة والإضرار عقابا أصلا. وبعبارة اخرى حيث يكون الضرر الدنيوي محرزا أيّ دليل دلّ على أنّ دفع الضرر الدنيوي المظنون لازم؟ فننكر الكبرى حينئذ.
__________________
(١) نهاية الوصول (مخطوط) : ٢٩٧.
(٢) كفاية الاصول : ٣٥٤.