ويقع الكلام الآن في الناحية الاولى من ناحيتي الجهة الاصوليّة وهي ما إذا كان الاشتباه في تطبيق المنهيّ عنه على الخارج ، كما لو قطع الإنسان بكون زيد في الدار فكذب فقال : ليس زيد في الدار ، ثمّ انكشف أنّه ليس فيها ، وأنّه ليس بكاذب بناء على أنّ الكذب مخالفة الواقع.
فالكلام في أنّ دليل تحريم الكذب هل يشمل مقطوع الكذبيّة وإن لم يكن كذبا واقعا فيكون محرّما أم لا؟ قد زعم الأوّل واستدلّ عليه بدليل مركّب من مقدّمات :
الاولى : أنّ التكاليف إنّما تتوجّه نحو المقدور ، إذ لا معنى للحثّ والزجر نحو غير المقدور ، ومن هنا كانت التكاليف الّتي لها متعلّقات في الخارج غير مقدورة يلزم أن يكون متعلّقاتها مفروضة الوجود في الخارج ويكون التكليف متعلّقا بتركها ، مثلا خمريّة الخمر مثلا ليس باختيار المكلّف ، بل هي أمر أجنبيّ عنه لا ربط لها بالتكليف ، والتكليف إنّما يتوجّه بعد فرض وجودها فينهى عن شربها مثلا ولا يمكن النهي عن خمريّة الخمر ، لعدم كونها تحت اختياره.
الثانية : أنّ المحرك للإنسان نحو الأشياء الخارجيّة هو علمه بها ، مثلا من علم بوجود الأسد يفرّ عن المكان الّذي يحتمل وجوده فيه ، ومن لم يعلم بوجود الأسد لا يفرّ أصلا. فالمحرّك للإنسان نحو أفعاله الاختياريّة إنّما هو علمه وقطعه ، فمن كان عطشانا وقطع بوجود الماء على يمينه يتحرّك على جهة اليمين لتحصيله وإن لم يكن واقعا ، ومن لم يقطع بوجود الماء لا يتحرّك بل يبقى حتّى يموت عطشا ولو كان الماء قريبا منه جدّا ، فالمحرّك للإنسان إنّما هو قطعه.
الثالثة : أنّ المكلّف إنّما يستطيع أن يحرّك العبد نحو اختيار الفعل لا نحو الفعل الاختياري ، وذلك بأن يحرّكه بما يكون محرّكا له وهو قطعه ، فالمولى يحرّك العبد نحو الاختيار بأن يوجد له مقدّماته وهو القطع بالواقع مثلا ، كما يحرّك نفس أعضائه