وقد اشكل على هذه الآية بإيرادين :
أحدهما (١) : أنّ هذه الآية في مقام الإخبار عن عذاب الامم السابقة الّتي عذّبت بعصيانها الرسول المبعوث إليهم ، فهي في مقام الإخبار عن العذاب الدنيوي السابق لا الاخروي اللاحق الّذي هو محلّ كلامنا.
والجواب : أوّلا : أنّ نفي العذاب الدنيوي عند عدم بعث الرسل يقتضي بالأولويّة نفي العذاب الاخروي.
وثانيا : أنّ هذا التركيب وهو قول : (ما كان) (وما كنّا) غالبا يستعمل في مقام بيان نفي ما لا ينبغي صدوره مثل قوله : ما كان زيد ليفعل كذا ، بمعنى أنّ هذا العمل لا ينبغي صدوره منه ، وأنّه لا يعدّ صدوره منه جميلا ، وهذا التركيب شايع الاستعمال في هذا المعنى جدّا (فكنّا) منسلخة عن الماضويّة.
وبهذا التقرير ظهر الجواب عن الإيراد الثاني ، وهو أنّ المنفيّ في الآية المباركة نفي فعليّة العذاب لا نفى استحقاقه والمدّعى هو الثاني لا الأوّل ، وذلك لأنّ الآية بحسب الظاهر في مقام بيان أنّ هذا لا ينبغي صدوره منّا لا في مقام نفي حتّى يورد بما ذكر.
ولا حاجة إلى أن يجاب عن هذا الإيراد الثاني كما أجاب العلّامة الأنصاري (٢) بأنّ نفي فعليّة العذاب يكفي في المقام ، لأنّ الأخباريّين يقولون إنّ العذاب والهلكة فعلا موجود ليورد عليه الآخوند قدسسره (٣) بأنّ الاستدلال جدلي حينئذ ، إذ الاصولي بما ذا يستند في إجراء البراءة ، والمفروض أنّ المنفيّ فعليّة العذاب لا استحقاقه.
وثانيا : أنّ المحتمل تحريمه ليس بأعظم ممّا علم تحريمه ، مع أنّ ما علم تحريمه قد لا يعذّب الشارع عليه منّة منه تعالى على عباده.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٣٨٥.
(٢) فرائد الأصول ٢ : ٢٣ ـ ٢٤.
(٣) كفاية الاصول : ٣٨٥ ـ ٣٨٦.