التنبيه الثالث : أنّ الرفع بالنسبة إلى بقيّة المرفوعات ـ غير حديث الرفع ـ كما يرفع الأحكام التكليفيّة والآثار الوضعيّة لا يفرق في رفعه بين أن يكون الحكم المرفوع مرفوعا عن موضوع التكليف أو عن متعلّقه ، والمراد بموضوع التكليف ما يكون حدوثه موجدا للتكليف بنفسه مثلا قوله : من أتى أهله في نهار شهر رمضان وجبت عليه الكفّارة من أمثلة موضوع التكليف ، والمراد بمتعلّق التكليف ما توجّه الأمر به إلى المكلّف مثل صلّ.
فمثل إتيان الأهل إذا وقع مكرها عليه من جائر أو مضطرا إليه ـ لأنّ تركه يوقعه في مرض ـ أو منسيّا كون اليوم من شهر رمضان مثلا فلا أثر له من حيث وجوب الكفّارة.
وأمّا المتعلّق فتارة يكون منحلّا إلى أفراد كثيرة مثل قوله : لا تكذب ، فإنّه منحلّ إلى كلّ كذب فمثل هذا إذا اضطرّ إليه العبد يكون مرفوع الحكم كموضوع التكليف ، واخرى لا يكون منحلّا مثل قوله : أكرم عالما ، فلو اكره أو اضطر إلى ترك إكرام زيد مثلا لا يكون هذا الإكراه أو الاضطرار رافعا لوجوب الإكرام ، وذلك لأنّ الأمر توجّه نحو إكرام عالم ما ، فتعذّر بعض الأفراد لا يوجب رفع الوجوب بالنسبة إلى بقيّة الأفراد ، لأنّ حديث الرفع إنّما يرفع حكم ما تعلّق به التكليف على تقدير الاضطرار إلى تركه ، وإكرام زيد بخصوصه لم يتعلّق به التكليف حتّى يكون الإكراه أو الاضطرار رافعا لحكمه ، غاية الأمر أنّ تطبيق إكرام عالم ما الّذي كان المطلوب منه صرف الوجود لم يمكن انطباقه على زيد للإكراه أو الاضطرار إلى ترك إكرامه ، وأمّا تطبيقه على غيره فممكن فيجب. وهذا بخلاف ما كان منحلّا إلى كلّ فرد وهو ما كان المطلوب فيه إعدام الطبيعة مثل : لا تشرب الخمر ، المنحلّ إلى النهي عن كلّ شرب ، فإنّ الاضطرار فيه حيث كان لنفس ما تعلّق به التكليف رفع حكمه ، بخلاف ما نحن فيه ممّا كان المقصود صرف الوجود.