ثمّ إنّه بعد أن ذكرنا أنّ المرفوع في حديث الرفع نفس ما لا يعلم من دون حاجة إلى تقدير علم أنّ المرفوع هو مطلق الآثار التكليفيّة والوضعيّة ، فإنّ الشرطيّة المجهولة مرفوعة بحديث الرفع ، وكذا المانعيّة وكذا غيرها من الآثار الوضعيّة.
التنبيه الثاني : أنّ المرفوع فيما لا يعلمون حيث علم أنّه رفع ظاهري ، لأنّه قد اخذ فيه الجهل بالواقع وعدم العلم به ، فلو وجد عموم أو إطلاق في دليل من الأدلّة للأشياء بعناوينها الأوّليّة فلا مجال لحديث الرفع ، لأنّ موضوعه عدم العلم وقد تبدّل عدم العلم ببركة الإطلاق أو العموم إلى العلم ، فهو وارد أو حاكم على حديث الرفع على الخلاف ، فمثلا إطلاق الخمر حرام أو عموم كلّ مسكر حرام شامل للفرد المعلوم الخمريّة أو المسكريّة المشكوك حرمته ، فلا مجال للتمسّك بحديث الرفع في جواز تناوله ، لدخوله تحت عموم الدليل أو إطلاقه فهو معلوم الحرمة ، فيكون الإطلاق أو العموم حاكما أو واردا على حديث الرفع بالنسبة إلى هذا الفرد المشكوك حكمه ، هذا قبل العمل.
وأمّا بعد العمل ، فلو شكّ مثلا في جزئيّة السورة أو شرطيّة شيء للصلاة مثلا فرفعه بحديث الرفع ثمّ وجد دليلا يدلّ على كون ذلك المشكوك جزئيّته جزءا أو المشكوك شرطيّته شرطا ، فهذا العمل السابق الخالي منهما يكون إجزاؤه مبتنيا على إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي وعدمه ، لأنّ حديث الرفع إنّما يرفع ظاهرا ولا يرفع الحكم الواقعي ليكون بعد تبدّل الجهل بالعلم من قبيل ارتفاع الموضوع كأصالة الطهارة والإباحة ، هذا كلّه في «ما لا يعلمون» وقد ذكرنا أنّ الرفع فيه ظاهري.
بخلاف بقيّة المرفوعات من المضطرّ إليه والمنسيّ والمكره عليه وغيرها فإنّ الرفع فيه رفع واقعي ، فيكون معنى رفع ما اضطرّ إليه العبد إنّما هو تقييد لإطلاق الأدلّة أو تخصيص لعموم تلك الأدلّة الدالّة على أحكام الأشياء بعناوينها الأوّليّة ، فمثلا قوله :
الكذب حرام أو كلّ كذب حرام ، يقيّد أو يخصّص بالكذب المضطرّ إليه أو المكره عليه فلا يكون محرّما واقعا ، إذ معنى رفعه إنّما هو رفع حكمه الواقعي.