(والظاهر أنّ ما حكم به الفقهاء بل ادّعي فيه الإجماع على ما ذكره الشيخ في الجواهر (١) من حكم الفقهاء بضمان من أتلف مال الغير اضطرارا وعدم ضمان من أتلفه مكرها من جهة أنّ رفع ضمان المضطرّ خلاف الامتنان ، لأنّ صاحب المال المتلف أيضا من الامّة ، وهذا بخلاف المكره ، لأنّ حديث الرفع إنّما يرفع ضمانه فقط ولا يرفع الضمان عمّن أكرهه فيضمن من أكرهه المال الّذي أتلفه المتلف بإكراهه ، فشمول حديث الرفع للمكره ليس مخالفا للامتنان ، لوجود الضامن حينئذ ، وشموله للمضطرّ مخالف للامتنان لعدم الضامن) (٢) ، فافهم.
كما ظهر أيضا أنّ حديث الرفع إنّما يرفع الأحكام الثابتة للأشياء بعناوينها الأوّلية لا الثابتة بعنوان الخطأ ـ كقتل الخطأ ـ أو النسيان كسجدتي السهو بالنسبة إلى ناسي السجدة وشبههما ، ضرورة أنّ الخطأ هنا هو سبب ثبوت هذه الأحكام فلا يكون رافعا لها ، فافهم.
كما أنّه يعلم أيضا حال الأحكام الوضعيّة ، فلو اكره المكلّف على أن ينشئ بيع داره بالفارسيّة مثلا أو اضطرّ إلى ذلك لا يقال : إنّ رفع الاضطرار أو الإكراه يقتضي صحّة البيع ، لأنّ حديث الرفع إنّما يرفع حكم المضطرّ إليه لو كان له حكم لو لا الاضطرار لا أنّه يثبت حكم غير المضطر إليه له. والحكم بالصحّة في المقام إثبات لحكم البيع بالعربيّة للبيع بالفارسية وهو لا يثبت بحديث الرفع قطعا.
(التنبيه الخامس : هل يجري «رفع ما لا يعلمون» في المستحبّات أم يختصّ بالواجبات؟ ذهب إلى كلّ قائل ، والظاهر التفصيل بين كون المشكوك مستحبّا مستقلّا فلا يجري حينئذ ، وبين كونه جزءا أو شرطا لمستحبّ فيجري : رفع ما لا يعلمون ، فيرفع الجزئيّة أو الشرطيّة المشكوكة.
__________________
(١) جواهر الكلام ٣٧ : ٤٦.
(٢) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.