فلا بدّ أن تكون هذه القاعدة قاعدة إرشاديّة من إرشادات العقل وإنّها لا يترتّب عليها نفسها شيء ، وإنّما يترتّب العقاب على الحرام الواقعي.
هذا كلّه إن كان المراد من الضرر العقاب ، وإن اريد منه الضرر الدنيوي فيقع الكلام في استقلال العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل فإنّه ممنوع. نعم ، لو لم يكن الوقوع في الضرر الدنيوي المحتمل لغرض عقلائي كان إيقاع النفس في الضرر أمرا سفهائيّا ولكن لا بمرتبة يكون العقل ملزما بتركه وبقاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع يثبت حرمته الشرعيّة.
ثمّ لو سلّمنا إدراك العقل لقبح الإلقاء في الضرر الدنيوي المحتمل فليس في ارتكاب محتمل الحرمة أو ترك محتمل الوجوب ضرر دنيوي أصلا ، أمّا في ترك محتمل الوجوب فظاهر ، لأنّ في ترك الواجب ليس إلّا ذهاب نفع ، ففي ترك محتمل الوجوب ليس إلّا احتمال ذهاب النفع. وأمّا في فعل محتمل التحريم فكذلك أيضا ، لأنّ من يشرب ماء الغير لا يبتلي بوجع الرأس أو البطن حتّى يكون ارتكاب الحرام إلقاء في الضرر الدنيوي.
وأمّا إن اريد بالضرر المفسدة فإنّه وإن كان المحتمل التحريم محتمل المفسدة على رأي العدليّة القائلين بتبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد ، إلّا أنّ استقلال العقل بلزوم ترك محتمل المفسدة أوّل الكلام ، ولذا أجمع الاصوليّون والأخباريّون على جواز تناول محتمل الحرمة من جهة الشبهة الموضوعيّة مع أنّ استقلال العقل على تقديره شامل للمقام أيضا.
فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ دليل العقل بقبح العقاب بلا بيان لا وجه للإشكال فيه.
نعم ، هو لا ينفع في قبال الأخباريّين ، لأنّ الأخباريّين يدّعون البيان بأخبار الاحتياط ، فلا بدّ من ملاحظة أخبارنا الّتي تقدّمت ممّا هو دالّ على الترخيص في ارتكاب محتمل التحريم مع أخبار الاحتياط وتقديم بعضها على بعض وسيأتي ذلك.