ولا يخفى أنّ القول الأوّل وهو أنّهما تابعان لذوات الافعال الواقعيّة ، إن اريد منهما المصلحة والمفسدة والمحبوبيّة والمبغوضيّة فمسلّم ، إلّا أنّ الكلام في الحسن والقبح بمعنى عدّ العقلاء له حسنا وقبيحا وهذا لا يتبع ذات الفعل ، فإنّ القيام الواحد قد يكون حسنا إذا كان بقصد تعظيم المولى ويكون قبيحا إذا كان بقصد الاستهزاء بالمولى مع عدم خروجه عن ذاته وعدم تغيّرها قطعا ، وكذا ضرب اليتيم تأديبا وظلما ، وغيرهما من الأمثلة الّتي هي فوق حدّ الإحصاء.
كما أنّ القول الثالث ـ وهو قول الأشاعرة ـ كالأوّل باطل ، لأنّ الحسن والقبح وإدراك العقل لهما يكاد أن يكون من ضروريّات مدركات العقل وبديهيّاته مع قطع النظر عن الشارع ، بل ان قلنا به لم يمكن إثبات نبوّة نبيّ فإنّ ظهور المعجزة على يد النبيّ صلىاللهعليهوآله لو لا إدراك العقل لحسنها لم لا يجوز أن يكون هذا المدّعي لها كاذبا وأنّ المعجزة يظهرها الله على يد الكاذب لو لا قبح ذلك منه؟ ولم لا يجوز أن يدخل الله النار كلّ من أطاعه والجنّة كلّ من عصاه لو لا الحسن والقبح؟ غايته أنّه يقول : إنّه تعالى وعد المطيعين الجنة والعاصين النار ، فنقول : ما المانع من إخلافه وعده وكونه كاذبا لو لا الحسن والقبح العقليّين؟ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
وبالجملة ، فالالتزام بما ذكره يؤدّي إلى لوازم باطلة تؤدّي إلى إضحاك الثكلى ، مثل كونه تعالى ظالما غير عادل ـ نعوذ بالله منها ـ وقد التزموا بها مع بداهة بطلانها ، والتزموا بالجبر وأشباهه تفريعا على هذه المقدّمة قبّحهم الله تعالى.
وإذا بطل القول الأوّل والثالث تعيّن الثاني للصحّة ، وهو كون الأفعال تابعة في تحسين العقلاء وتقبيحهم للوجوه والاعتبارات لا ذاتيّة لها ولا عارية عنها كما هو مؤدّى القولين الباطلين. وحينئذ فالعمل المتجرّى به يكون قبيحا لوجهه قطعا ، ضرورة أنّ التقبيح والتحسين من العقلاء إنّما هو على الأعمال الاختياريّة لهم وإلّا فلا يستحقّ المدح على صدور فعل منه قسرا أوجب إنجاء مؤمن أو يستحقّ الذمّ لصدور فعل قسرا منه أوجب قتل مؤمن. وحينئذ فالمتجرّي والعاصي بالنسبة