ولكنّ يضعّف الأوّل ـ مضافا إلى الاستغناء عنه بحكم العقل ـ أنّ لسانها ليس لسان إرشاد ، بل لسان جعل الداعي للمكلّف والتشويق له نحو ذلك العمل ، وأنّه مطلوب للمولى كما هو ظاهر لكلّ من له ذوق سليم.
ويضعّف الثاني أيضا بالذيل المذكور في الروايات من قولهم عليهمالسلام : «وإن كان رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يقله» (١) إذ ظاهرها جعل الاستحباب بالعنوان الثانوي وليس لسانها لسان إلغاء الشكّ ولزوم التصديق لذلك الخبر وترتيب الأثر عليه ، فيتعيّن الوجه الثالث (*) كما فهمه المشهور من أصحابنا وذهبوا إليه (٢) وإن كان تعبيرهم بالتسامح في أدلّة السنن يعطي الوجه الثاني ، إلّا أنّ حكمهم بالاستحباب الشرعي في تلك الموارد كاف في كون هذا الخبر جاعلا للاستحباب.
__________________
(١) الوسائل ١ : ٥٩ ، الباب ١٨ من أبواب مقدّمات العبادات ، الحديث ١ و ٣ و ٤.
(*) وربّما استدلّ بعض الأعاظم (لم نعثر عليه) على إفادة هذه الأخبار جعل الاستحباب بقوله عليهالسلام فيها : «فعمله» بدعوى أنّ الجملة الفعليّة قد تستعمل في الطلب ، بل هي آكد من الجملة الإنشائيّة فيه.
وفيه أنّ الجملة الفعليّة إنّما تستعمل في الطلب حيث تكون جواب شرط ظاهر أو مقدّر ، حيث إنّ حملها على الإخبار كذب فتحمل على الإنشاء ، بل لم نجد فعلا ماضيا استعمل في الطلب ولم يكن جواب شرط.
وربّما استدلّ عليه بأنّ هذه الأخبار رتّبت نفس الثواب البالغ على العمل ، ولو كان الثواب على الانقياد لم يكن وجه لإعطاء نفس الثواب بعينه ، بل يعطيه ثواب الانقياد الّذي يستقلّ به العقل.
ولا يخفى ما فيه ، فإنّه يمكن أن يكون أصل الحكم بالثواب عقليّا ، وتقديره بالبالغ من الثواب تفضّل في تفضّل ، فإنّ أصل الثواب تفضّل ، فتأمّل. (الجواهري).
(٢) انظر مفاتيح الاصول : ٣٤٦.