لا مناص عن التمسّك بالبراءة للشكّ في توجّه النهي إليه ، لعدم العلم بالمصلحة في تركه حتّى يطلب تركه ، فهو مجرى البراءة عقلا ونقلا.
الثانية : أن يكون النهي متوجّها نحو مجموع التروك فالمطلوب مجموع التروك ، فهنا ربّما يقال بأنّ الشكّ في فرد أنّه من أفراد المنهيّ عنه أم لا ، شكّ في مرحلة الامتثال فلا بدّ من اليقين بالامتثال ولا يكون إلّا بتركه ، إلّا أن التحقيق أنّ الشكّ بالنسبة إلى هذا الفرد المشكوك شكّ في توجّه النهي إلى هذا الفرد وعدمه ، إذ النهي قطعا متوجّه نحو ما علم أنّه من أفراد الخمر قطعا ، وتردّد أمر أفراد الخمر بين الأقلّ والأكثر ، فالشكّ في كون هذا المائع فردا للخمر شكّ في توجّه النهي عن الخمر إليه وعدمه ، فالشكّ شكّ في التكليف كسائر موارد دوران المكلّف به بين الأقلّ والأكثر.
وسيأتي أنّ الأقلّ متيقّن والأكثر مشكوك فيه شكّا في التكليف ، وهو مجرى البراءة قطعا.
نعم ، ليس له أن يوجد فردا من الأفراد المعلومة ، إذ بوجوده تفقد المصلحة المترتّبة على مجموع التروك ، إذ لم يتحقّق حينئذ مجموع التروك.
الثالثة : أن يكون النهي متوجّها نحو عنوان بسيط منتزع عن مجموع التروك ، فيكون المطلوب بالنهي إيجاد ذلك العنوان البسيط المنتزع عن مجموع تروك هذه الطبيعة ، فيكون المطلوب بالنهي عن شرب الخمر صحوه عن سكر الخمر مثلا. ففي مثل هذه الصورة إذا شكّ في فرد أنّه من أفراد الخمر أم لا يلزمه تركه قطعا ، لأنّه بوجوده قد لا يحقّق العنوان البسيط المنتزع المطلوب تحقّقه حسب الفرض ، ففي مثل هذه الصورة يكون التكليف معلوما والشكّ في مرحلة الامتثال ، فلا تجري حينئذ البراءة لا عقلا لوجود البيان وهو التكليف بالأمر البسيط ، ولا شرعا لأنّه قد علم التكليف ، بخلاف الصور الخمسة المتقدّمة فإنّها مجرى البراءة ، لأنّها من فروع الأقلّ والأكثر ، وسيأتي أنّه مجرى البراءة إن شاء الله تعالى.