نعم ، هذا الاحتمال مرفوع تعبّدا ، ولكنّه ليس بمرفوع وجدانا.
ولا يخفى أنّ حسن الاحتياط إنّما هو إذا لم يستلزم اختلال نظام البشر ، أمّا إذا استلزم ذلك ، فتارة يكون كلّ فرد من أفراد الاحتياط لهذا الشخص موجبا لاختلال النظام فلا ريب في مبغوضيّة هذا الاحتياط له.
وتارة لا يكون الاحتياط مخلّا كلّية لقلّة أعمال هذا الشخص ، فلا ريب في حسن الاحتياط له كلّية.
وتارة يكون الاحتياط التامّ في جميع أعماله إلى موته مخلّا بالنظام فلا ريب في قبحه حينئذ ، لكنّه يمكنه أن يبعّض في الاحتياط ، وله في التبعيض طريقان :
أحدهما : أن يحتاط في جميع أفعاله مدّة لا توجب الإخلال بالنظام ، مثلا يحتاط مدّة شهر ثمّ بعد الشهر لو احتاط يحصل الإخلال ، فهو يحتاط مدّة لا يحصل بها الإخلال ، ثمّ يتركه عند وصوله إلى حدّ الإخلال إلى آخر عمره فلا يحتاط.
الثاني : أن يحتاط ببعض أفعاله إلى آخر عمره ، إذ الاحتياط التامّ له مخلّ بالنظام لا الاحتياط ببعض الأفعال ، وحينئذ فهو يختار ما كان احتمال الإلزام فيه أقوى فيمتثله ويترك الاحتياط بما كان احتمال الإلزام فيه ضعيفا ، أو يختار الاحتياط مثلا بأموال الناس ويترك الاحتياط في الطهارة مثلا.
والظاهر من بعض الأخبار ـ في نهج البلاغة : قليل مدوم عليه خير من كثير مملول (١) ـ القائلة بأنّ الخير القليل إذا داوم عليه المكلّف خير من الخير الكثير الّذي لا مداومة عليه ترجيح الثاني من طرق الاحتياط ، وهو الاحتياط ببعض الأعمال إلى آخر عمره ، لا القسم الأوّل وهو الاحتياط بجميع أعماله مدّة من الزمن ثمّ يترك حيث يستلزم إخلالا بالنظام.
__________________
(١) نهج البلاغة ، الحكمة : ٤٤٤ و ٢٧٨ ، ومعجم غرر الحكم : ٣٦٣.