وأمّا الحكم بالتخيير العقلي فقط مع عدم الحكم شرعا كما اختاره الميرزا النائيني قدسسره بتقريبين :
أحدهما : عدم تناول أدلّة جعل الاصول للمقام ، إذ لا أثر له فإنّ الفعل أو الترك لا بدّ أن يتحقّقا فلا أثر لجعل الاصول حينئذ ، إذ جعل الأصل لا بدّ أن يكون له أثر فإذا لم يكن له أثر استحال الجعل ، ولا أثر في المقام فإنّ إمكان الفعل والترك موجود وأحدهما واقع لا محالة.
الثاني : أنّ الرفع إنّما يمكن حيث يمكن الوضع ، إذ لو كان الوضع مستحيلا لم يكن معنى للرفع ، والوضع في المقام مستحيل ، إذ الاحتياط الإلزامي غير ممكن حتّى يضعه ، لدورانه بين المحذورين فيكون الرفع كذلك مستحيلا.
ولا يخفى عليك إمكان جريان البراءة النقلية وشمول أدلة جعلها للمقام ، وذلك أنّ مورد اجتماع دوران الأمر بين المحذورين قابل للجعل الشرعي ، فإنّ الشارع له أن يجعل الإلزام بالفعل في مثل المقام فيقول : إذا دار الأمر بين المحذورين فقدّم جانب الأمر ، إذ احتمال الوجوب أولى بالمراعاة. وكذلك يستطيع أن يجعل الالتزام بالترك فيقول : إذا دار الأمر بين المحذورين فقدّم جانب التحريم مثلا ؛ لأنّ دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ، وحديث الرفع إنّما يرفع كل حكم من غير أن يكون لرفع الثاني به دخل أصلا ، وحينئذ فالوجوب بخصوصه في مقام الدوران بين المحذورين غير معلوم فيشمله رفع ما لا يعلمون ، وكذلك التحريم بخصوصه أيضا غير معلوم فيشمله رفع ما لا يعلمون.
نعم ، في المقام مخالفة التزامية ، إذ نعلم نحن أنّ أحد هذين الأصلين غير مطابق للواقع فنعلم نحن حينئذ أنّه بترك كل منهما خالفنا مخالفة التزامية ، وسيأتي عدم إحرازها عن قريب إن شاء الله تعالى.
ومن هذا البيان ظهر إمكان جعل الاستصحاب في دوران الأمر بين المحذورين في الموضوع والحكم ، فمثل ما لو علم أنّه حلف إمّا على السفر أو على تركه