فيجرى استصحاب عدم الحلف على السفر واستصحاب عدم الحلف على تركه أيضا غايته المخالفة الالتزامية ، وقد ذكرنا أنّها غير قادحة ، كما يمكن استصحاب حكمه السابق أيضا.
نعم ، يبقى أنّ لنا علما بإلزام لم نعلم بخصوصيته ولكن مثل هذا العلم الإجمالي إنّما يكون منجّزا حيث يمكن الموافقة القطعية والمخالفة القطعية ، كأن يعلم أنّه إمّا حلف على فعل المطالعة أو على ترك الخروج إلى خارج البلد فهنا يمكنه أن يطالع ولا يخرج إلى خارج البلد فيحظى بالموافقة القطعية ، أو يترك المطالعة ويخرج إلى خارج البلد فيجزى بالمخالفة القطعية فهنا يكون العلم الإجمالي منجزا. أمّا مثل النقيضين إذا دار الأمر بينهما فلا معنى ، على أنّه يمكن تحصيل الموافقة الالتزامية بالالتزام بحكم الله الواقعي ولو إجمالا.
ومن هذا الكلام ظهر أنّ الوجه الثالث من وجوه المنع عن جعل الإباحة وهو أنّ الحكم الظاهري إنّما يجعل في مقام يكون فيه احتمال إصابة الواقع لا في مثل المقام مما يعلم أنّه لا يصيب الواقع أصلا ؛ لأنّ الإباحة قطعا ليس هو الحكم الواقعي واضح الدفع ، إذ إنّ هذا يرد على مثل الميرزا النائيني الّذي استند في الإباحة إلى الروايات (١) أمّا نحن فنستدل بحديث الرفع في كل واحد من الاحتمالين بخصوصه ، فالوجوب في نفسه غير معلوم فيرفعه حديث الرفع ، والتحريم في نفسه كذلك فيرفعه حديث الرفع ، والموافقة الالتزامية غير واجبة كما مرّ مضافا إلى إمكانها لتنجيز العلم الإجمالي حينئذ ، إذ الامتثال القطعي مستحيل والاحتمالي واقع قهرا.
الوجه الرابع من وجوه المنع دعوى تمامية البيان من قبل المولى وحصول العلم بنوع الإلزام ، وإنّما العجز عن الامتثال فلا تجري فيه أدلة البراءة ؛ لأنّ موردها الشكّ.
__________________
(١) انظر فوائد الاصول ٣ : ٤٤٥.