والجواب أنّ البيان التام هو ما كان فيه باعثية أو زاجرية ، والعلم بتكليف لا يكون باعثا ولا زاجرا لا أثر له ولا يكون بيانا أصلا.
ومن هنا ظهر جريان البراءة النقلية وفساد ما ذكره الآخوند (١) من تمامية البيان حينئذ ؛ إذ البيان التام ما كان قابلا لأن يكون باعثا أو زاجرا ، أمّا ما لا قابلية له للبعث أو الزجر فلا يكون بيانا ، فظهر أنّ قبح العقاب بلا بيان أيضا شامل للمقام فتأمّل حتّى تعرف أنّ دوران الأمر بين المحذورين الّذي جعلوه قسما ثالثا وجعلوه من الشكّ في المحصل هو من قبيل القسمين الأولين شكّ في التكليف ، وهو مجرى البراءة العقلية والنقلية وأثره إنّما هو عدم الالتزام بأحد الشقوق وهو الفعل بخصوصه ، أو الترك بخصوصه كما أنّه لو جعل الإلزام في المقام لكان أثره هو وجوب الالتزام بالفعل والترك.
الوجه الخامس ما ذكره بعض الأساطين (٢) من أنّ الترخيص محقّق قبل الشكّ من جهة الاضطرار إلى أحدهما الرافع حينئذ للتكليف والمثبت للترخيص فلا مجال حينئذ للبراءة.
والجواب أنّ الاضطرار إلى غير المعين لا يقتضي حلية كما سيأتي في مبحث العلم الإجمالي ، وإنّما يقتضي رفع الاحتياط بالنسبة إلى أحدهما.
ثمّ إنّه بناء على ما ذكرنا من جريان البراءة العقلية والنقلية لا يبقى مجال للكلام في أنّه إذا احتمل أهمية أحد الإلزامين بخصوصه على الآخر ذهب الآخوند قدسسره أنّه إنّما يحكم العقل بالتنجيز في صورة تساوي الاحتمالين وتساوي أهمية المحتملين ، أمّا إذا احتمل أهمية أحدهما أو كان أحد الاحتمالين أقوى فتبنى على قاعدة دوران الأمر بين التعيين والتخيير والحكم حينئذ بتقديم محتمل التعيين (٣).
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٠٥.
(٢) انظر نهاية الأفكار ٣ : ٢٩٢.
(٣) كفاية الاصول : ٤٠٦.