وقد ذكر الميرزا النائيني قدسسره عدم ابتناء المقام لو قلنا بالتخيير على قاعدة دوران الأمر بين التعيين والتخيير لو احتمل أهمية أحدهما أو كان أحد الاحتمالين أقوى ، وذلك أنّ قولنا في دوران الأمر بين التعيين والتخيير إنّما نقول بإتيان محتمل التعيين فيه إنّما هو لدليل مفقود في المقام (١).
بيان ذلك أنّه لو ورد خطابان مثل : صلّ وأزل النجاسة عن المسجد وكان إطلاق الخطابين شاملا حتّى لصورة اجتماعهما ، فمثل خطاب : صلّ ، بإطلاقه يشمل حتّى صورة ورود خطاب : أزل ، وكذلك خطاب : أزل ، شامل حتّى لصورة وجود خطاب : صلّ ، فلو لم يحتمل أهمية أحد هذين الأمرين فلا بدّ من رفع اليد عن كلا الإطلاقين في المقام ؛ لاستحالة التكليف بالمحال وقبح الترجيح من غير مرجح فلا بد من سقوط كلا الإطلاقين.
أمّا لو علم أهمية أحدهما تفصيلا كما لو علم أهمية الإزالة فلا بدّ من رفع إطلاق خطاب المهم وبقاء إطلاق خطاب الأهم لوجود المرجح حينئذ ، ولو احتمل أهمية أحدهما كما إذا أراد إنقاذ غريقين لا يمكنه إلّا إنقاذ أحدهما واحتمل كون الغريق الّذي على يمينه نبي ولم يحتمل ذلك في الّذي على شماله ، فهنا دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، إذ يدور الأمر بين سقوط إطلاق كلا الخطابين لو لم يكن الّذي على يمينه نبيا ، بل كان مثل الّذي على شماله من سائر الناس ، وبين سقوط إطلاق خطاب الّذي على شماله ؛ لأنّ الّذي على يمينه نبي ، فسقوط إطلاق خطاب الغريق الّذي على شماله مقطوع ، وأمّا سقوط إطلاق خطاب إنقاذ الّذي على يمينه فغير معلوم ، وعند الشكّ في التقييد يتمسّك بالإطلاق ، فالحكم بتعيين محتمل التعيين إنّما هو من جهة هذه القاعدة المعلومة ومعلوم أنّه لا ربط لمقامنا بها ، إذ التكليف بخصوصه هنا غير معلوم حتّى يكون له إطلاق يشكّ في تقييده والتكليف هنا واحد ، فلا ربط لهذه المسألة بتلك ولا تكون من صغريات تلك الكبرى الكلية أصلا.
__________________
(١) فوائد الاصول ٣ : ٤٥٠ ـ ٤٥١.