وجوب الموافقة القطعيّة ، وحرمة إتيانهما معا وهو معنى حرمة المخالفة القطعيّة ، فالعلمان الإجماليّان لا يمكن أن يعملا مقتضاهما من حيث وجوب الموافقة القطعيّة ، لاستحالة الإتيان بكلا الفعلين وتركهما في آن واحد ، ولكن يمكن للعلم الإجمالي أن يعمل المقتضى الثاني وهو حرمة المخالفة القطعيّة فلا يفعلهما ولا يتركهما بأن يفعل أحدهما ويترك الآخر ، وحينئذ فيتخيّر فيما يريد فعله وفيما يريد تركه.
وليس له أن يفعلهما معا ؛ لأنّه مخالفة قطعيّة للحرام المحلوف على تركه ، كما ليس له تركهما معا ؛ لأنّه مخالفة قطعيّة للواجب المحلوف على فعله.
وأمّا إذا كان دوران الأمر بين المحذورين في واقعتين تدريجيّتين كأن علم بحلف على وطي امرأته في ليلة معيّنة وحلف على ترك وطئها في ليلة معيّنة أيضا غير الليلة التي حلف على وطئها فيها إلّا أنّ الليلة التي حلف فيها على الوطي اشتبهت بالليلة الّتي حلف فيها على ترك الوطي ، وقد ذهب الميرزا النائيني قدسسره إلى التخيير في كلّ ليلة من هاتين الليلتين المشتبهتين ؛ لأنّ كلّ ليلة واقعة ، تردّد حكمها بين وجوب الوطي وحرمته فقد تردّدت بين المحذورين فيجري فيها التخيير العقلي (١).
نعم ، لو اختار الوطي في الليلة الاولى والوطي في الليلة الثانية هنا بعد الوطي في الثانية يعلم بأنّه فعل محرّما ، ولا أثر للعلم المتأخّر حينئذ.
والظاهر ابتناء هذه المسألة على ما سيأتي عن قريب إن شاء الله تعالى من أنّ العلم الإجمالي إذا كان متعلّقه امورا تدريجيّة الحصول فهل يكون منجّزا أم لا يكون منجّزا؟ وحيث اخترنا التنجيز هناك فالمسألة كالمسألة السابقة من كون العلم الإجمالي بوجوب الوطي في إحدى الليلتين مقتضيا للوطي في كلتيهما وهو معنى الموافقة القطعيّة ، وحرمة تركهما وهو معنى حرمة المخالفة القطعيّة ، والعلم الإجمالي بحرمة الوطي في إحدى الليلتين يقتضي ترك الوطي في كلتا الليلتين حرصا على
__________________
(١) فوائد الاصول ٣ : ٤٥٤.