الثالث من الامور : أنّه ذكر صاحب الفصول قدسسره بعد أن اختار حرمة الفعل المتجرّى به وترتّب العقاب عليه جريان التجرّي مع الأحكام الخمسة ، وأنّه ربّما يكون محرّما حرمة شديدة إذا صادف الحرام الواقعي ، وقد تكون حرمته أخفّ إذا صادف ما تخيّله حراما مكروها ، وقد يكون مباحا فتكون حرمته أخفّ ، وقد يكون مستحبّا وواجبا فربّما تكون مصلحته بمرتبة توجب اضمحلال المفسدة الحاصلة من التجرّي كما إذا تخيّله عدوّا للمولى ومع ذلك تجرّى فلم يقتله وبعد ذلك انكشف أنّه نفس المولى مثلا (١).
ولا يخفى أنّ كلامه قدسسره مبنيّ على مقدّمات ثلاث :
الاولى : أنّ التجرّي يمكن انفكاك القبح عنه.
الثانية : أنّ المصادفة للواجب ترفعه.
الثالثة : أنّ العبد في صورة مصادفة العمل المتجرّى به للواقع يستحقّ عقابين :
أحدهما على تجرّيه ، الثاني على المفسدة الواقعيّة.
ولا يخفى عليك أنّ هذه المقدّمات الثلاث باطلة كلّها.
توضيح بطلان الاولى : أنّ التجرّي هو عبارة عن كون العبد في مقام الطغيان على المولى ، ولا يخفى أنّه حينئذ ظالم للمولى ، لعدم توفيته حقّه ، والظلم لا ينفكّ عن القبح عقلا في العمليّات ، كما لا ينفكّ اجتماع الضدّين عن الاستحالة عقلا في النظريّات. نعم المصلحة والمفسدة قد ينفكّان عن العمل لكن عنوان الظلم لا ينفكّ عن التجرّي ، فلا ينفكّ التجرّي حينئذ عن القبح أصلا.
ثمّ لو تنزلنا وسلّمنا إمكان انفكاك القبح عن التجرّي فإنّما يكون ذلك بامور اختياريّة للمتجرّي ، ومصادفة الواجب وعدمها لا يصلحان لذلك أصلا ، لأنّهما ليسا باختياره قطعا.
__________________
(١) انظر الفصول : ٤٣٢.