فيقتل أحدهما صاحبه ، القاتل والمقتول في النار ، قيل : هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال صلىاللهعليهوآله : لأنّه أراد قتل صاحبه (١). ومعلوم أنّ المقتول لم يرتدع من قبل نفسه ، بل ارتدع لأمر خارجي وهو قتله. وحينئذ فيخصّص ما دلّ على العفو بهذه الرواية ، فيختصّ العفو بمن ارتدع من قبل نفسه فيكون خبر العفو أخصّ فيقدّم على خبر العقاب لأخصيّة اللاحقة.
(ولكنّا راجعنا رواية القاتل والمقتول الّتي هي شاهد هذا الجمع وإذا هي في تحريم مقاتلة المسلم للمسلم وهما مقاتلان ، فهما عاصيان لا متجرّيان ، فإنّ إخافة المؤمن بالنظر الشرور حرام فضلا عن مقاتلته ، فلا شاهد للجمع بين الطائفتين المتعارضتين من الأخبار ، إلّا أنّ المهمّ إنّا لم نجد في الأخبار ما يدلّ على العفو عن نيّة السوء وإنّما الموجود أنّ نيّة السيّئة لا توجب كتابة نفس السيّئة ، بل فيها أنّه لو عمل نفس السيّئة لا تكتب حتّى تمضي تسع ساعات من غير توبة. فما دلّ على العقاب بنيّة السوء ليس له معارض ، إلّا أنّه لا يدلّ على حرمة نفس الفعل الخارجي المتجرّى به كما هو محلّ الكلام ، بل ولا على حرمة نفس النيّة ، إذ العقاب بحكم العقل وهو مسلّم ، وإنّما الكلام في التحريم) (٢).
وثانيا : لو سلّمنا الجمع بتلك الطريقة الاولى فيختصّ التحريم بمن شرع في مقدّمات الحرام إلّا أنّ المتجرّي لم يشرع في مقدّمات الحرام ، وإنّما شرع بمقدّمات المباح في الواقع وإن تخيّل أنّها مقدّمات حرام.
وثالثا : أنّ هذه الأخبار إنّما دلّت على العقاب فلا دلالة لها على التحريم الّذي نفيناه ، وإنّما يدلّ على العقاب وقد سلّمناه ، فلا مجال للإيراد علينا بهذه الأخبار. نعم من نفى العقاب تكون هذه الأخبار ردّا عليه ، فافهم وتأمّل.
__________________
(١) الوسائل ١١ : ١١٣ ، الباب ٦٧ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث الأوّل ، مع تفاوت يسير.
(٢) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.