بل الأقوال فيه أربعة : كون العبرة بالمعصية الواقعيّة ، أو الاعتقاديّة ، أو إحداهما ، أو بهما معا ، كما هو الظاهر ، إذ المعصية المأخوذة في الأخبار لا تصدق إلّا على الواقع الواصل. وإن كان الضرر ذهاب مال ـ كما في الكمارك ـ فالقطع به لا يقتضي حرمة السفر فضلا عن الظنّ) (١).
والإثم في الثاني من جهة أنّ موضوعه خوف الفوات الحاصل مع قيام الظنّ على ضيق الوقت ، فلا ربط لهما بالتجرّي أصلا ، فافهم.
(وإن شئت فقل : إنّ احتمال الضيق يقتضي أيضا المبادرة ، لأنّ الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني. ودعوى الإثم لو ترك وانكشف حينئذ سعة الوقت ممنوعة أشدّ المنع) (٢).
الثالث : أنّه ربّما يستدلّ على حرمة الفعل المتجرّى به شرعا بما دلّ على أنّ الناس يعاملون بنيّاتهم وأنّ لكلّ امرئ ما نوى ، بتقريب أنّها دالّة على حرمة نيّة المعصية ، فيعارضها ما دلّ على العفو عن نيّة السوء وأنّها لا تكتب ، فيجمع بينها بحمل الأخبار الدالّة على التحريم والعقاب على ما إذا شرع بعد نيّته بمقدّمات العمل المحرّم ، وحمل ما دلّ على العفو على ما إذا لم يشرع في مقدّمات العمل المحرّم ، فينتج الجمع حرمة ما اشتغل المكلّف بمقدّماته ، والمتجرّي المفروض أنّه اشتغل بالمقدّمات وأتى بذي المقدّمة أيضا فيكون محرّما (٣).
والجواب أوّلا : أنّ هذا الجمع جمع تبرّعي لا شاهد له فهو غير مقبول ، بل ينبغي الجمع بينها بحمل الاولى ـ وهي ما دلّت على العقاب ـ على ما إذا لم يرتدع من نفسه بل ارتدع بأمر خارجي قسرا عليه ، وحمل الثانية وهي ما دلّت على العفو على ما إذا ارتدع بنفسه. وشاهد هذا الجمع هو الخبر المرويّ عن النبيّ في الرجلين يقتتلان
__________________
(١ و ٢) ما بين القوسين من إضافات بعض الدورات اللاحقة.
(٣) انظر القواعد والفوائد ١ : ١٠٧ ، والفرائد ١ : ٤٨ ـ ٥٠.