وأمّا ثانيا : فلأنّه يجوز أن يكون المقام من قبيل العموم المطلق لا العموم من وجه ، وحينئذ فجعل حكمين أيضا ممكن كما في نذر الصلاة الواجبة الّتي قد اتّفق تقريبا على انعقاده والتزم فيه بتأكّد الطلب وحينئذ فمقامنا من هذا القبيل ، وحينئذ فيجوز أن يحرّم الشارع مقطوع الخمريّة ولا يلزم اجتماع المثلين ، بل يلتزم بالتأكّد كما التزم به في غير المقام كما ذكرنا. فظهر أنّ ما ذكره قدسسره لاستحالة جعل الحرمة شرعا للفعل المتجرّى به غير مرضيّ ، ولكن الوجه ما ذكرناه نحن من عدم الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع وعدم إمكان حكم الشرع بالنسبة إلى خصوص صورة التجرّي واستلزامه التسلسل بالنسبة إلى مطلق المقطوع ، فافهم.
الثاني من الامور : ربّما يستدلّ على حرمة التجرّي شرعا باتّفاق الأصحاب على عدم إعادة من سافر مغرّرا بنفسه فصلّى تماما وانكشف عدم التغرير بسفره (١) فيقال : إنّ التجرّي معصية فسفره تجرّي ، وحيث إنّ التجرّي محرّم لزمه الإتمام. كما أنّه قد يستدلّ على التحريم أيضا بمن خاف ظنّ ضيق الوقت فلم يصلّ ثمّ انكشف أنّه واسع وليس بضيّق فإنّ الإجماع قائم على أنّه آثم (٢) وليس إلّا لأنّه متجرّي وإلّا فلم يترك واجبا.
ولا يخفى عليك ما في الاستدلال بهذين ، فإنّ وجوب الإتمام في الأوّل ليس من جهة التجرّي وإنّما هو لوجود موضوعه وهو ظنّ الضرر ، فإنّ الموضوع لوجوب الإتمام كونه مغرّرا بنفسه ، والتغرير حاصل في المقام ، (وتفصيل ذلك أنّ الضرر المظنون إن كان هلاكا لنفسه أو هتكا لعرضه أو ذهاب مال مؤمن فإنّ احتمال الضرر موجب لتحريم السفر ، لكون السفر منافيا للحفظ الواجب عليه فهو معصية بنفسه ، وإن لم يكن كذلك يكون من صغريات التجرّي ولا إجماع حينئذ على الإتمام ،
__________________
(١) انظر الفرائد ١ : ٣٨.
(٢) انظر المنتهى ٤ : ١٠٧ ، وكشف اللثام ٣ : ١٠٩ ، ومفتاح الكرامة ٢ : ٦١.