من ذلك رفع تحريم الطرف الثاني والترخيص فيه ؛ لأنّ الضرورات تقدّر بقدرها ويكون المقام من مقامات التوسّط في التنجيز ؛ لأنّ الشارع رخّص في أوّل فرد يختاره المكلّف ولم يرخّص في الثاني ، فالثاني لو صادف أن به ارتفع الاضطرار يرتفع تحريمه كما لو اختاره أوّلا ، ولكن يبقى الأوّل الّذي لم يختره على التحريم لتنجيز العلم الإجمالي فيكون كلّ طرف منهما غير منجّز تحريمه الواقعي على تقدير اختياره لرفع الاضطرار ولكنّه منجّز إذا لم يختر لرفع الاضطرار.
فالمقام من قبيل التوسّط في التنجيز نظير ما سيأتي في الأقلّ والأكثر بناء على أنّ التكليف فيها واحد كالصلاة إذا شكّ في جزء من أجزائها كالسورة مثلا ، فلا يكون التكليف الواقعي لو كانت السورة جزءا في الواقع منجّزا وإن كان منجّزا من ناحية الركوع مثلا ، فإنّ ترك الركوع مبطل لتنجّزه من ناحيته بخلافه من ناحية السورة.
وبما ذكرنا ظهر ما في كلام الآخوند قدسسره من عدم الفرق في الاضطرار بين كونه إلى معيّن أو إلى غير معيّن (١) فإنّ الاضطرار إلى المعيّن في الفرض يوجب أن لا يكون العلم الإجمالي علما بالتكليف بخلافه في الاضطرار إلى غير المعيّن فإنّ الاضطرار لم يكن للنجس حتّى يرتفع التكليف به.
ثمّ إنّ ما ذكرناه ممّا يعيّن أنّ المقام من قبيل التوسّط في التنجيز ، وتوضيح ما ذكرناه موقوف على مقدّمة ، هي أنّه كما أنّ التكاليف الإلزاميّة تارة تتعلّق بمطلق الوجود فيكون لكلّ وجود ثواب مستقلّ وعقاب مستقلّ ، وتارة تتعلّق بأوّل وجود فيكون الثواب والعقاب دائرا مدار أوّل وجود دون غيره ، كذلك التكاليف الغير الإلزاميّة كالإباحة والكراهة والاستحباب كذلك أيضا فإنّه قد يكون المباح أو المستحبّ أو المكروه مطلق الوجود كشرب الماء مثلا وكقراءة القرآن والصلاة
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٠٨ ـ ٤٠٩.