وبهذا ظهر معنى التوسّط في التنجيز ، خلافا للميرزا قدسسره حيث زعمه توسّطا في التكليف بدعوى أنّ الاضطرار إلى غير المعيّن أيضا من حدود التكليف فيكون الاضطرار رافعا لحكمه الواقعي لدخوله في «رفع ما اضطرّوا إليه». ثمّ إنّه أشكل على نفسه بعدم الفرق بين الاضطرار إلى المعيّن وغير المعيّن فلم يكن الأوّل رافعا لتنجيز العلم الإجمالي بالنسبة إلى الطرف الثاني أيضا بخلاف غير المعيّن فلم يرفع التنجّز بالنسبة إلى الثاني. وأجاب بأنّ الاضطرار هناك هو الّذي رفع العلم بالتكليف بخلافه هنا فإنّ الرافع للتكليف اختيار المكلّف وهو لا يرفع التكليف المنجّز.
وبعبارة اخرى : الاضطرار كان موجودا عند العلم الإجمالي فلم يكن علما بالتكليف بخلافه فإنّ الرافع هنا اختيار المكلّف وهو بعد تنجيز العلم الإجمالي ، فيكون حكم المختار الواقعي مرتفعا والثاني مشكوك في سقوطه فيكون شكّا في السقوط ، فيبقى على حكمه العقلي وهو التوسّط في التكليف (١).
ولا يخفى ما فيه ، فإنّ لزوم الموافقة القطعيّة موجود ولا اضطرار إلى الحرام حتّى يرتفع التكليف به واقعا ، وإنّما رخّص في اختياره لأحدهما فيكون أوّل الوجود لو كان المحرّم الواقعي مرخّصا فيه ظاهرا ، والحكم الواقعي فيه غير منجّز فيكون توسّطا في التنجيز لا توسطا في التكليف لعدم سقوط الحكم الواقعي عنه ، بل الحكم الواقعي لما يختاره المكلّف غير منجّز لو كان هو المحرّم فالحكم هنا بالترخيص ظاهري ؛ لأنّه ليس مضطرّا إلى النجس قطعا ولكن اختياره قد يصادف النجس ، والاختيار ليس مسقطا للتكليف الواقعي ، فينتج ما ذكرناه التوسّط في تنجيز الحكم الواقعي فلا يكون منجّزا على تقدير مصادفة ما يختاره النجس الواقعي ، ولا يضرّ كما في الشبهات البدويّة لو جرى أصل الطهارة مثلا وكان نجسا في الواقع ،
__________________
(١) انظر أجود التقريرات ٣ : ٤٥٩ ـ ٤٦٥ ، وفوائد الاصول ٤ : ٩٨ ـ ١٠٧.