توضيح ذلك أنّ كلام الشيخ الأنصاري قدسسره (١) يحوم حول كون المبعوث نحوه والمزجور عنه في الشرع المقدّس يلزم أن يكون أمرا لو لا البعث لما تحقّق ولو لا الزجر لما تخلّف فهو نظير الأوامر من الموالى العرفيّة ، فمن يعلم بأنّ عبده يأتي بالماء قطعا أمره أم لم يأمره يقبح له تكليفه به ، ومن علم أنّ عبده لا يذهب إلى الكوفة أصلا يقبح له زجره عن الرواح ؛ لأنّهما في هذا الأمر عبث ، لحصول الغاية وإن لم يتحقّق بعث وزجر أصلا ، وحينئذ فلا فرق بين قبح توجّه التكليف في المقام وفي كلّ ما يكون البعث والزجر لا أثر لهما ، نظير تحريم أكل لحم الإنسان ونظير أكل لحم الولد مثلا فإنّهما متروكان بمقتضى الطبيعة ، فلا يكون البعث والزجر عمّا هو متحقّق الوجود أو العدم بمقتضى الطبيعة حسنا.
والجواب عمّا ذكره قدسسره أنّ الأوامر الشرعيّة لو كانت نظير الأوامر العرفيّة كان ما ذكره متّجها ، ولكن التكاليف الشرعيّة مختلفة عن التكاليف العرفيّة ؛ لأنّ التكاليف العرفيّة المقصود منها صرف الوجود في الخارج وصرف العدم كذلك وليست التكاليف الشرعيّة كذلك ؛ لأنّ العباديّات منها متوقّفة على إتيانها بداعي الأمر والقربة الموقوف على تحقّق الأمر في الخارج ؛ لأنّ الفعل بذاته كان لا بدّ من تحقّقه وأمر الشارع ليس إلّا البعث نحو تحقيقه متقرّبا به إلى المولى فالأمر ليس عبثا بل لا بدّ منه ؛ لأنّه لولاه لم يتحقّق المطلوب ؛ لأنّ صرف الوجود الّذي يتحقّق بحسب الطبيعة ليس مطلوبا وإنّما المطلوب هو الوجود المتقرّب به وهو إنّما بعث الأمر نحوه.
وكذا الكلام في التوصّليات فإنّ ترك أكل لحم الإنسان مثلا وإن كان بنفسه منتركا إلّا أنّ هذا الترك ليس هو مطلوب المولى شرعا ، وإنّما مطلوب المولى أن يكون ثمّة ترك يكون زجر المولى ممّا له مدخليّة فيه ولو إمكانا ، لإمكان أن يتركه لزجر المولى عنه فيكون مرتقيا بذلك أرقى درجات الكمال ، فنفس الترك وإن كان
__________________
(١) انظر فرائد الاصول ٢ : ٢٣٤ ـ ٢٣٨.