وقد اختار الميرزا النائيني قدسسره (١) مختار الشيخ وأورد على صاحب الكفاية قدسسره بالفرق بين الشبهة التحريميّة والوجوبيّة بأنّ الشبهة الوجوبيّة إذا خرج بعض أطرافها عن محلّ الابتلاء عادة تكون صدورها من المكلّف بإرادته واختياره ، فيحسن الأمر بها لصدورها بإرادته واختياره ولو مع عدم القدرة عادة على تركها ، لكن تركها عقلا مقدور ، ومع القدرة العقليّة على تركه يكون التكليف بالفعل حسنا ؛ لأنّه يحسن جعل الداعي حينئذ للمكلّف نحو الفعل ، بخلاف التكليف التحريمي حيث يكون بعض الأطراف خارجا عن محلّ الابتلاء عادة ، فإنّه يعتبر في الترك صدوره عن المكلّف بإرادته واختياره وهو لا يتصوّر إلّا مع القدرة على الفعل عادة أو عقلا ، ومع عدمها يكون الترك بنفسه حاصلا ، لعدم احتياج العدم إلى علّة بل يكفي فيه عدم تحقّق علّة الوجود.
ثمّ إنّه قدسسره فرّع على ذلك صحّة توجّه التكاليف التحريميّة مع كون متعلّقها ممّا تتركه الطبيعة بحسب فطرتها مع قطع النظر عن توجّه التحريم إليها شرعا ، مثل أكل لحم الإنسان والعذرة ونحوها فإنّ طباع الناس تقتضي تركها مع قطع النظر عن تحريم الشارع المقدّس ، وما ذلك إلّا للقدرة عليها عقلا وهو واضح.
أقول : الظاهر أنّ هذا الشرط ليس شرطا للتنجيز مستقلّا ، بل إن رجع إلى عدم القدرة عقلا ولو لعدم أسبابه كما فيمن علم إجمالا بنجاسة إناءه أو إناء الملك فهو غير قادر عقلا لعدم تهيّؤ أسبابه له ، فهو عبارة عن اعتبار القدرة على المأمور به وترك المنهيّ عنه ، وإن لم يرجع إلى عدم القدرة عقلا فيجوز توجّه التكليف نحوه ، لإمكان صدوره منه ، فيجعل الزجر عن المحرّم في الشبهة التحريميّة ، ولإمكان تركه عقلا فيبعث نحو فعله في الشبهة الوجوبيّة.
__________________
(١) فوائد الاصول ٤ : ٥١ ـ ٥٧ ، وأجود التقريرات ٣ : ٤٣٠ ـ ٤٣٤.