وإنّما أوجبت ملاقاته له إحداث فرد آخر يكون الشكّ في طهارته ونجاسته مسبّبا عن الشكّ في طهارة الطرف ونجاسته.
وبعد جريان الاصول في الطرفين وتساقطهما لتعارضهما يبقى الملاقي سالما فتجري فيه أصالة الطهارة مثلا ولا يعارضها شيء أصلا فيكون الملاقي محكوما بالطهارة ، وذلك أنّ ملاقاة النجس وإن كانت موجبة للنجاسة إلّا أنّ هذا المركّب ممّا يشكّ في تحقّقه ؛ لأنّ الملاقاة وإن كانت متحقّقة إلّا أنّ الجزء الثاني وهو كونها ملاقاة للنجس غير محقّقة فهي نظير شرب أحد المشتبهين بالخمر لا يستوجب حدّا لشاربه.
وقد ظهر أن لا وجه لاستدلالهم بالرواية فإنّها تثبت أنّ الملاقاة موجبة لوجود فرد آخر نجس لا أنّه في مقام بيان أنّ الملاقي هو نفس الملاقى أصلا وليس لها نظر إليه ، والتعليل لرفع ما وقع في ذهن السائل من أنّ صغر الفأرة مانع عن تنجّس ملاقيه فأجابه بعدم الفرق بين الصغر والكبر في حكم الله فهي حجّة مطلقا ويترتّب عليه نجاسة ملاقيه.
الثاني : أن يقال : إنّ الملاقي لأحد أطراف الشبهة يجتنب ؛ لأنّه يحدث علم إجمالي آخر يوجب الاجتناب عنه ، فإنّ الملاقي للإناء يعلم إجمالا إمّا بنجاسته أو نجاسة الإناء الثاني فيكون هذا العلم الإجمالي منجّزا فيوجب الاجتناب عنه أيضا.
وقد أجاب عنه الشيخ الأنصاري قدسسره بما حاصله أنّ أصالة الطهارة بالنسبة إلى الإناء الثاني كان ساقطا بالابتلاء بمعارضه وهو أصالة الطهارة في الإناء الأوّل ، فتكون أصالة الطهارة في الثوب الملاقي لأحد الإناءين سليمة عن المعارض فتجري من غير مزاحمة أصلا (١) (بتقريب أنّ أصالة الطهارة في الثوب مسببة عن أصالة الطهارة في الإناء فهي لا تجري إلّا بعد سقوط أصالة الطهارة في الإناء ،
__________________
(١) انظر فرائد الاصول ٢ : ٢٤٢ ـ ٢٤٣.