الثالث : أن يشكّ في أصل الوجوب للآخر والمسقطيّة معا بعد العلم بثبوت الوجوب لأحدهما مثلا لو علم بوجوب الصيام قطعا ، ولكنّه شكّ في كون الوجوب بالنسبة إليه تعيينيّا أو تخييريّا بينه وبين الإطعام فيشك في أصل وجوب الإطعام. ومسقطيّته.
أمّا الكلام في هذا الثالث فنقول : ذهب الميرزا قدسسره إلى أنّ القاعدة فيه هي الاشتغال محتجّا بأنّ الشكّ فيه في الفراغ وفي مرحلة الامتثال ؛ لأنّه إن أتى بالإطعام فهو شاكّ في فراغ ذمّته عمّا اشتغلت به يقينا ، إذ على تقدير تعيين الصيام لا يكون الإطعام مسقطا لعدم كونه عدلا ، نعم على تقدير التخيير يكون مسقطا. بخلاف ما لو أتى بالصيام فإنّه قد فرغت ذمّته يقينا ، ونظير ذلك ما لو علم تكليف المولى بوجوب شراء شيء تردّد بين كونه إنسانا بخصوصه أو حيوانا ما ، سواء كان إنسانا أم لا ، فإنّه لو اشترى الإنسان يفرغ ذمّته يقينا ، بخلاف ما لو اشترى حيوانا آخر فإنّه لا يقطع بفراغ ذمّته لاحتمال تعيّن الإنسان. هذا أحد الوجوه لجريان قاعدة الاشتغال في المقام وعدم جريان البراءة شرعا فضلا عن البراءة العقليّة (١).
ولا يخفى عليك ما فيه ، فإنّ التخيير المحتمل في المقام إمّا أن يكون تخييرا عقليّا كما لو كان ثمّة جامع بين أفراد ما احتمل التخيير فيه كالحيوان في المثال المتأخّر ، وإمّا أن يكون التخيير شرعيّا كما إذا لم يكن جامع في البين نظير مثال الصيام والإطعام ، فإنّ الوجوب فيه يتوجّه نحو أحدهما المفهومي القابل للانطباق على كلّ منهما ، وقد ذكرنا في بحث الوجوب التخييري إمكان تعلّق الوجوب بمفهوم أحدهما الّذي هو أمر انتزاعي ينتزع منهما.
فإذا عرفت هذا فما ذكر من جريان البراءة في الأجزاء الخارجيّة بعينه جار هنا بذلك التقريب ، أمّا حيث يكون ثمّة جامع بين الأفراد كالحيوانيّة مثلا فالقدر المعلوم
__________________
(١) انظر فرائد الاصول ٤ : ٢٠٨.