وأمّا ما يقتضيه الأصل العملي حيث لا يكون لهما إطلاق فالّذي يقتضيه الأصل العملي ابتداء هو البراءة ؛ لأنّ المفروض أنّ المكلّف به مركّب من أشياء فإذا تعذّر بعضها فقاعدة تعذر الكلّ بتعذّر جزئه محكّمة ، بمعنى أنّ المركّب من هذا الجزء وغيره متعذّر والخالي من هذا الجزء لا نعلم توجّه أمر به فبحديث الرفع نرفعه.
وربّما يفرق في الجزء المتعذّر بين ما يكون متعذّرا من أوّل الوقت إلى آخره ، وبين ما كان مقدورا فتعذّر في أثناء الوقت فيلتزم بالبراءة في الأوّل لما ذكرنا ويتمسّك بالاستصحاب في إثبات وجوب الباقي ، وقد قرّب جريان الاستصحاب بوجوه :
أوّلها : أن يقال بأنّ هذه الأجزاء كانت واجبة بالوجوب الضمني ونشكّ الآن في وجوبها فنستصحب كلّي الوجوب.
ثانيها : أن يقال : إنّه كان علينا عند إمكان الإتيان بجميع الأجزاء واجب قطعا فنشكّ الآن في سقوط وجوب ذلك الواجب بتعذّر بعض أجزائه فيستصحب.
ثالثها : أن يقال : إنّ هذا الفاقد لذلك الجزء المتعذّر هو عين الواجب الأوّل عرفا وحينئذ فيستصحب وجوبه ؛ لأنّ المناط في الاستصحاب الوحدة العرفيّة لا الوحدة الحقيقيّة ولا الوحدة بحسب الدليل.
والفرق بين هذا التقرير الثالث والثاني أنّ الاستصحاب في الثاني بنحو «كان» التامّة بمعنى أنّه كان واجب علينا نشكّ في سقوطه ، وهنا بنحو «كان» الناقصة وهو أنّ هذا الفاقد للجزء المتعذّر كان واجبا فيستصحب وجوبه. وثانيا أنّ هذا الأخير لا يجري إلّا حيث يتّحد الموضوع عرفا بخلاف الأوّلين فإنّهما يجريان وإن لم يبق إلّا جزء واحد من أجزاء الواجب العشرة ، وهو واضح جدّا فتأمّل فإنّه واضح.
ولا يخفى أنّ التقريب الأوّل من تقريبات الاستصحاب لا يمكن التعويل عليه ؛ لأنّ الوجوب المتيقّن هو الوجوب الضمني وقطعا قد ارتفع بتعذّر المركّب منه ومن غيره ، والوجوب المشكوك هو الوجوب الاستقلالي ، فما كنّا على يقين منه قد ارتفع يقينا وما نشكّ فيه مشكوك الحدوث ، فلا تتمّ أركان الاستصحاب فلا يجري