وتفصيل ما ذكرنا أنّ قوله صلىاللهعليهوآله : فأتوا ، من الأفعال المتعدّية بنفسها بمعنى أوجد ، وكما في قوله تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ)(١) بمعنى يوجدونها ، وحينئذ فمفعولها إمّا أن يكون الضمير في «منه» بدعوى زيادة «من» وحينئذ فيلزم الفصل بين الفعل ومفعوله ويكون حينئذ : ما استطعتم «ما» ظرفية أي مدّة استطاعتكم ، وهو إمّا غلط أو خلاف الظاهر فيلزم أن لا يكون الضمير في «منه» مفعولا لها ، وحينئذ فلا بدّ من أن يكون مفعولها هو قوله صلىاللهعليهوآله : «ما استطعتم» فيكون المعنى : فأتوا ما استطعتم منه ، فتكون «من» بيانيّة لما استطيع الإتيان به ولكنّها لا تنافي التبعيض بالمعنى المتقدّم.
فإذا كانت للتبعيض فالتبعيض يتصوّر بصورتين :
الاولى : أن يكون التبعيض في الأفراد فيكون كلّ بعض ممّا ينطبق عليه عنوان الواجب كما في قولك : أكرم من العلماء ما استطعت ، فإنّ كلّ واحد من العلماء ممّا يصدق عليه جنس المأمور به ، وهذا التبعيض لا يحتاج إلى عناية أصلا ؛ لأنّ الفرد نفس ذلك العنوان منطبق عليه.
الثانية : أن يكون التبعيض بلحاظ الأجزاء لا الجزئيّات ، وهذا التبعيض يحتاج إلى لحاظ المركّب كلّا وأنّه شيء واحد فتكون حينئذ أجزاؤه أبعاضا له وإلّا فالأجزاء غير المركّب ؛ لأنّ كلّ جزء لا ربط له بالجزء الآخر فيحتاج إلى لحاظ وحدة اعتباريّة تضمّ المجموع وتعتبره شيئا واحدا ، فيكون التبعيض بهذا المعنى الثاني محتاجا إلى زيادة مئونة ، فإذا كانت «من» تستعمل في كلّ من المعنيين فالمورد يكون هو المعيّن للمعنى.
ولا ريب أنّ المورد في المقام هو النوع الأوّل من نوعي التبعيض ، فحمله على غيره موجب لخروج المورد عن معنى التبعيض ، وخروجه مستهجن في الكلام
__________________
(١) النساء : ١٥.