ودعوى الجبر بفتوى الأصحاب معلوم عدمها ؛ إذ لم تذكر قبل ابن أبي جمهور في مؤلّف حتّى يطّلعوا عليها ، فمن المظنون قويّا أنّهم لم يطّلعوا عليها ، فدعوى الجبر فيها مجازفة واضحة.
وأمّا الكلام فيها من حيث الدلالة فإن معناها أنّ ما لا يمكن إدراك كلّه ، أي إدراك مجموع أجزائه أو مجموع أفراده لا يترك جميع أجزائه أو جميع أفراده بل يؤتى بما تيسّر من أجزائه أو من جزئيّاته إذا لم يمكن إدراكها بأسرها.
وقد أشكل عليها الآخوند قدسسره (١) بأنّ كلمة «ما» شاملة للمستحبّ والواجب وظهور «لا يترك» في الوجوب لا ينبغي أن يناقش فيه ، وحينئذ فإمّا أن يكون الأوّل قرينة على أنّ «لا يترك» مستعملة في الاستحباب فلا تفيد وجوب الإتيان بالمتيسّر من الأجزاء أو الأفراد ، أو يكون «لا يترك» قرينة على كون «ما» للوجوب فقط ، وحيث كان هكذا فلا جزم بالثاني حتّى يكون دالّا على المقصود بل احتمال الأوّل موجود فهو ممّا احتفّ بما يصلح للقرينيّة ، وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال ، هذا ملخّص ما أشكله على الرواية الآخوند قدسسره.
ويمكن أن يجاب عمّا ذكره بأنّ الوجوب معنى منتزع من الأمر كما أنّ التحريم أمر منتزع من النهي ، فإذا ورد أمر فمقتضى قانون المولويّة والعبوديّة لزوم الإتيان به ما لم يرد فيه ترخيص من قبل المولى ، فلو سلّمنا شمول «ما» للواجب والمستحبّ فنقول بمقتضى قوله : «لا يترك» أنّه لا يجوز ترك الميسور من الواجب والمستحبّ ، فإذا ورد دليل بجواز ترك ميسور المستحبّ يبقى الواجب على وجوب الإتيان بميسوره نظير : اغتسل للجنابة والجمعة ، فإنّ ورود الترخيص في ترك غسل الجمعة لا يوجب كون غسل الجنابة مرخّص الترك فافهم.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٤٢٢.