وممّا يدلّ على ذلك أنّه لو لم يمكنه بعد ذلك الفحص ؛ لأنّ الدفتر احترق مثلا فلا يجب عليه الاحتياط قطعا ، وإنّما يسلّم المقدار المتيقّن ، ولو كان وجوب الفحص من باب العلم الإجمالي لوجب الاحتياط.
الثاني : من وجهي الدليل العقلي المقيّد لإطلاق أدلّة البراءة الشرعيّة هو أن يقال : إنّ العقل كما يحكم بقبح العقاب بلا بيان يحكم على العبد بما هو عبد وبما أنّ له مولى ، وقد اعتاد ذلك المولى إيداع أحكامه في كتاب خاصّ ، فالعقل يحكم على ذلك العبد بلزوم مراجعة ذلك الكتاب عند كلّ مورد يشكّ في توجّه تكليف إليه من قبل ذلك المولى ، ولا يعذره العقل إذا ترك مراجعة ذلك الكتاب فاتّفق له ترك واجب لو رجع إلى ذلك الكتاب لاطّلع عليه.
الدليل الرابع من أدلّة لزوم الفحص في جريان البراءة الشرعيّة هو الأخبار والآيات الدالّة على وجوب التعلّم ، فإنّها مثل قوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١) ومثل قوله عليهالسلام (٢) : «يؤتى بالعبد يوم القيمة فيقال له : لم لا عملت؟ فيقول : ما علمت ، فيقال له : لم لا تعلّمت لتعمل؟» فإنّ غير المتفحّص لو أجرى البراءة بلا فحص يكون من مصاديق غير المتعلّم ، وهذه الأخبار أخصّ من أخبار البراءة فتقيّدها بلزوم الفحص.
وبالجملة ، فلزوم الفحص في البراءة النقليّة كالعقليّة لازم ، ودليله إمّا الثاني من وجهي الدليل العقلي ، وإمّا هذا الوجه الرابع. وبهذا أيضا تقيّد إطلاقات أخبار الاستصحاب فيثبت لزوم الفحص فيه حيث تكون الشبهة حكميّة إن قلنا بجريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة.
__________________
(١) الأنبياء : ٧.
(٢) أمالي الطوسي : ٩ ، المجلس الأوّل ، وتفسير الصافي ٢ : ١٦٩.