إلّا أنّ الكلام في حرمة الإضرار بالنفس فنقول : ذهب الشيخ الأنصاري قدسسره إلى كون حرمة الإضرار بالنفس كحرمة الإضرار بالغير ممّا دلّت عليها الأدلّة السمعيّة والعقليّة (١) والظاهر أنّ حرمة الإضرار بالنفس هو المشهور إلّا أنّا لم نجد من الأدلّة العقليّة ما يقضي بالحرمة ، بل إنّ سيرة الناس مطلقا على الإضرار بالنفس نوعا في مثل تجاراتهم فإنّه يذهب إلى التجارة ويتحمّل الحرّ والبرد والمطر والجوع والعطش ، ومع ذلك كلّه لم نر من يجتنب ذلك لزعمه حرمته.
بل لم نجد من الأدلّة السمعيّة أيضا ما يقتضي الحرمة للضرر حيث لا يوجب الهلكة ولا مثل قطع بعض الأعضاء ، فإنّ لا ضرر بقرينة قوله : «فإنّك رجل مضارّ» ظاهرة في حرمة الإضرار بالغير. وكذا قوله صلىاللهعليهوآله : «المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه» (٢) أيضا صريحة في حرمة الإضرار بالغير قطعا. وأمّا رواية الجار (٣) فلا ظهور فيها أصلا بل ظاهرها أنّ الإنسان كما لا يضرّ نفسه بحسب طبعه وسيرته ولا يرى عمل نفسه إثما فينبغي أن يكون يرى جاره كذلك.
وبالجملة ، فلم نجد في الأدلّة ما يقتضي حرمة الإضرار بالنفس أصلا ، ولذا نحكم بصحّة الصلاة لأنّ الإضرار بالنفس ليس محرّما فلا يكون الوضوء مبغوضا واقعا حتّى يرفع صلاحيته للتقرّب ، فيكون الوضوء أو الغسل صحيحا مع الجهل بضرره وإن كان مضرّا بالنفس واقعا ضرارا لا يبلغ الهلكة.
نعم ، هناك رواية في الفقه الرضوي تدلّ على حرمة الإضرار بالنفس (٤)
__________________
(١) رسائل فقهيّة : ١١٥ ـ ١١٦.
(٢) الوسائل ٨ : ٥٩٦ ، الباب ١٥٢ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأوّل.
(٣) الكافي ٥ : ٣١ ، باب إعطاء الأمان ، الحديث ٥ (الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم).
(٤) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليهالسلام : ٢٥٤ ، المستدرك ١٦ : ١٦٥ ، الباب الأوّل من أبواب الأطعمة المحرّمة ، الحديث ٥.