هذا ملخّص ما أفاده الشيخ الأنصاري (١) في تقريب فتوى المشهور بالجواز وعدم الضمان في الصورتين الاوليين وأنت خبير بعدم تماميّته :
أمّا أوّلا فلأنّه لا ملازمة بين فوات النفع أو الوقوع في الضرر وبين الحرج ، فإنّ المراد من الحرج المنفيّ الحرج بمعنى عسر التحمّل لا بمعنى مطلق الكلفة ، ولا ملازمة بين فوات النفع أو الوقوع في الضرر وعسر التحمّل ، نعم هو قد يكون لكنّه ليس ميزانا كلّيا ، نعم لو كان الحرج بمعنى مطلق الكلفة كان بين المقامين ملازمة لكنّه يقتضي رفع كلّ تكليف حينئذ لوجود الكلفة في جميعها.
وأمّا ثانيا فلو سلّم الملازمة بينهما في المورد فليس دليل نفي الحرج حاكما على دليل نفي الضرر ؛ لأنّهما معا ناظران إلى الأحكام المجعولة للأشياء بعناوينها الأوليّة ولا نظر لإحداهما إلى الاخرى أصلا. وأمّا حديث كونهما عامّين من وجه فمع تساقطهما لا مجال للرجوع إلى حديث «الناس مسلّطون» لأنّه إنّما يثبت السلطنة في المال من حيث إنّه مال لا من حيث الترخيص لإضرار الغير ، فهو نظير الاستدلال بحديث السلطنة على جواز ذبح المسلم أخاه بمدية يملكها الذابح ؛ لأنّه مسلّط على التصرّف بمديته كيف شاء.
نعم الرجوع إلى الإباحة لا بأس به لو تمّ ما ذكره من كون المقام حرجيّا بحيث يكون في فوات النفع أو الوقوع في الضرر حرج ، وقد تقدّم أن لا ملازمة بينهما أصلا. هذا كلّه مع أنّه لا وجه لنفي الضمان ؛ لأنّ عموم «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» شامل للمقام قطعا فأيّ وجه للحكم بعدم الضمان؟
وربّما يوجّه الحكم بعدم الحرمة وبجواز حفر المالك بأنّ حديث «لا ضرر» بما أنّه امتناني على الامّة فلا يعقل أن يشمل مثل المقام ؛ لأنّه يقتضي القطع بجعل حكم ضرري ؛ لأنّه إن كان الحكم إباحة حفر البالوعة فهو حكم ضرري على الجار ،
__________________
(١) انظر رسائل فقهيّة : ١٢٩.