فإن كان ما تعلّق به اليقين مباينا بالكليّة لما تعلّق به الشكّ بحيث لا ربط بينهما أصلا مثلا كان متيقّنا بعدالة زيد وشاكّا في طلوع الفجر ، فلا معنى حينئذ لعدم نقض ذلك اليقين بعدالة زيد بالشكّ في طلوع الفجر ، لعدم الرابط بينهما.
وإن كان ما تعلّق به اليقين أمرا مباينا لما تعلّق به الشكّ لكن بينهما ربط بأن كانا من أجزاء العلّة بأن كان متيقّنا بوجود المقتضي وشاكّا في وجود المانع ، فهي قاعدة المقتضي والمانع ، وسيأتي الكلام فيها وفي دليلها وفي كونه هو دليل الاستصحاب أم غيره؟
وإن كان ما تعلّق به اليقين هو بنفسه تعلّق به الشكّ فتارة يقترن زمان الشكّ بزمان اليقين بحيث يكون زمان اليقين مقترنا بزمان الشكّ آناً ما وإن تقدّم اليقين أو الشكّ ، وإنّما جاز تعلّق اليقين والشك به لأنّ المتيقّن غير المشكوك بأن كان المتيقّن حدوث الشيء والمشكوك بقاءه. وهذا هو الاستصحاب ، وميزان اقتران زمان الشكّ مع زمان اليقين آناً ما وإن كان أحدهما أسبق حدوثا إلّا أنّهما بحسب البقاء يلزم أن يقترنا آناً ما ، فتارة يكون اليقين سابقا والشكّ لاحقا كما هو المتعارف ، أو يكون الشكّ سابقا واليقين متأخّرا مثل أن يشكّ في عدالة زيد هذا العام ثمّ يتيقّن بعدالته قبل عشر سنين مثلا ، وقد يحدثان دفعة كما إذا تيقّن نجاسة شيء وشكّ في ذلك الحال بوقوع المطر عليه حتّى يطهّره أم لا.
واخرى لا يتّصل ولا يقترن زمان الشكّ باليقين بل يكون زمان الشكّ غير زمان اليقين ولكنّ المتيقّن متّحد بحسب الزمان مع المشكوك ، فتارة يكون زمان اليقين أسبق ، واخرى يكون زمان الشكّ أسبق.
فإن كان زمان اليقين أسبق فهي قاعدة اليقين ، وهي المعبّر عنها بالشكّ الساري ، كأن يتيقّن عدالة زيد يوم الجمعة ويشكّ يوم السبت في تحقّقها يوم الجمعة بحيث يحتمل أن يكون يقينه السابق جهلا مركّبا ، وميزانه أن يشكّ في نفس الأمر المتيقّن في الزمان الّذي كان متيقّنا به ، وسيأتي الكلام فيها وفي دليلها وأنّه هو دليل الاستصحاب أم غيره.