فمع وجود دليل حجّيته يرتفع موضوعات اللابيان ، لأنّ الشارع جعله بيانا. فلا يكون العقاب مع وجود الاستصحاب أو غيره لو خالفه المكلّف عقابا بلا بيان ، ولا تكون المؤاخذة بلا برهان ، بل يترتّب عليه جميع ما يترتّب على القطع الطريقي من التنجيز والتعذير وغيرها.
وأمّا قيام الاصول المحرزة مقام القطع الموضوعي المأخوذ على نحو الصفتيّة فلا ريب في بطلانه ، لأنّ هذه الصفة من الصفات التكوينيّة فلا يمكن أن يكون دليل حجّية الاستصحاب مكوّنا لها كما تقدّم في الأمارة.
وأمّا قيام الاصول المحرزة مقام القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الكاشفيّة ، فالقطع المأخوذ في الموضوع على نحو الكاشفيّة له جهتان ، فإنّه تارة يؤخذ من حيث إحراز الواقع من حيث هو واقع ، واخرى يؤخذ من حيث البناء القلبي على إحراز الواقع ، فإن كان مأخوذا في الموضوع على نحو الكاشفيّة من حيث إحراز الواقع فلا ريب في عدم قيام الاصول المحرزة مقامه ، لأنّها ليست محرزة إلّا من حيث العمل لا من حيث إحراز الواقع بما هو واقع ، وإن كان القطع مأخوذا في الموضوع على نحو الكاشفيّة من حيث البناء العملي فلا ريب في قيام الاصول المحرزة لأنّ إحرازها من حيث العمل موجود بدليل حجّيّتها فافهم وتأمّل.
وأمّا الاصول الغير المحرزة فلا تقوم مقام القطع الطريقي (*) ، لأنّ دليل حجّيّتها ليس ناظرا في جعلها إلى إحراز الواقع بها وإنّما هو ناظر إلى الرجوع إليها في مقام العمل. ومعلوم أنّ القطع الطريقي إنّما هو طريق إلى الواقع ، فكيف يقوم الاصول مع عدم نظرها إلى الواقع مقام ما هو محرز له وناظر إليه.
__________________
(*) لأنّها إن كانت عقليّة كالبراءة والاحتياط العقليّين فليس معناهما إلّا إدراك العقل ذلك ولا معنى لقيامه مقام القطع ، وإن كانت شرعيّة فمعناه حكم الشارع بفراغ الذمّة أو بلزوم إحراز الفراغ ولا معنى لقيامه حينئذ مقام القطع ، إذ هو كما يقال : وجوب الصوم يقوم مقام القطع أم لا ، إذ لا معنى لقيام الحكم مقام القطع. (من إضافات بعض الدورات اللاحقة).