وهاتان الروايتان قد ناقش فيهما الشيخ الأنصاري قدسسره بأنّ ظاهرهما تقدّم زمان اليقين وطروء الشكّ بعد ذلك ، وهذا هو مؤدّى قاعدة اليقين ، إذ لا يعتبر في الاستصحاب تقدّم زمان اليقين وتأخّر زمان الشكّ حتّى جاز أن يتقدّم الشكّ ثمّ يعرض اليقين بأمر سابق على الشكّ ويجري الاستصحاب ، فالروايتان حينئذ ظاهرتان في قاعدة اليقين (١).
أقول : لا يخفى أنّ الاستصحاب وإن لم يشترط فيه تقدّم زمان الشكّ على زمن اليقين إلّا أنّ الغالب في موارده ذلك ، فإنّه يكون اليقين بالحدوث مثلا متيقّنا والشكّ في البقاء ، وحينئذ فتكون هاتان الروايتان واردتان على مجرى الاستصحاب الغالبي ، وحينئذ فتكون دلالتهما على الاستصحاب من هذا الباب. وهناك ما ينافي حملها على قاعدة اليقين ، فإنّ قوله : «فليمض على يقينه» ظاهر في بقاء اليقين ، وفي قاعدة اليقين لا يبقى اليقين حتّى يبنى عليه ، وكذلك قوله : «فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ» ظاهر في بقاء اليقين حال حصول الشكّ وهو معنى الاستصحاب ، فافهم.
نعم ، في سند هاتين الروايتين القاسم بن يحيى وهو مجهول وقد ضعّفه العلّامة (٢) وابن الغضائري (٣) وإن كان تضعيف الثاني لا يقدح ، لأنّه مشكّك. ورواية الثقات عنه لا يوجب توثيقه إلّا أن يعلم أنّ هذا الراوي قد التزم أنّه لا يروي إلّا عن ثقة كابن أبي عمير أو يكون من مشايخ الإجازة كعبد الرحمن بن عبدوس. وبالجملة ، فالمناقشة في سندهما لا دلالتهما.
ثمّ إنّ للشيخ الأنصاري في حاشية الفرائد ـ وربّما نسبت إلى السيّد الشيرازي قدسسره تعليقة ـ ملخّصها أنّ ظاهر هاتين الروايتين أخذ الزمان ظرفا لليقين ، وفي قاعدة
__________________
(١) انظر الفرائد ٣ : ٦٩.
(٢) خلاصة الأقوال في معرفة الرجال (رجال العلّامة الحلّي) : ٢٤٨.
(٣) نقل عنه المامقاني والتستري ، انظر تنقيح المقال ٢ : ٣٩٤ ، وقاموس الرجال ٨ : ٥٠٦.