وأمّا ما أشكله عليه ثانيا فهو أيضا ليس بوارد ، لأنّ الآخوند قدسسره لا يجعل «حتّى تعلم» غاية للحكم أصلا لا الحكم الظاهري ولا الحكم الواقعي ، وإنّما جعله لبيان استمرار هذين الحكمين إلى حصول العلم بزوال الطهارة فلا يرد عليه أنّه يكون العلم طريقيّا وهو خلاف الظاهر.
نعم ، ما ذكره من الإشكال الثالث وارد إنصافا ، وهو مسألة أنّ العموم هو عبارة عن رفض القيود والشيء بوصف كونه مشكوكا لا يدخل تحته.
بقي الكلام فيما أفاده في الكفاية من أنّ صدر الرواية وهي قوله : «كلّ شيء طاهر» يدلّ على بيان حكم الأشياء بعنوانها الأوّلي ، وقوله : «حتّى تعلم» بيان لاستمرار ذلك الحكم إلى زمان العلم وهو الاستصحاب ، فتكون الرواية دالّة على حكم الأشياء بعنوانها الأوّلي ودالّة على الاستصحاب. وكذا قوله : «كلّ شيء حلال» أيضا دال على كلا الحكمين ، هذا ملخّص ما أفاده قدسسره (١).
والظاهر أنّ ما ذكره لا يتمّ أيضا ، لأنّ الغاية وهي «حتّى تعلّم أنّه قذر» أو «أنّه حرام» إمّا أنّ تكون قيدا للحكم أو قيدا للموضوع أو قيدا للمحمول ، ولا يخفى أنّ جعلها قيدا ـ سواء كانت للموضوع أو المحمول أو الحكم ـ بما أنّها هي العلم بالنجاسة أو الحرمة لا تصلح غاية للحكم الواقعي أصلا ، لأنّ غاية الطهارة الواقعيّة أو الطاهر الواقعي هو ملاقاة النجاسة أو انقلاب الخلّ خمرا لا العلم بالنجاسة ، فحيث جعل العلم هو الغاية فهي لا تصلح لإفادة حكم الأشياء بعنوانها الواقعي أصلا ، وإنّما تفيد حكما للشيء بما أنّه لا يعلم نجاسته وطهارته وهو المشكوك.
وأمّا استفادة الاستصحاب فهو الّذي ذكر في الفصول أنّه يستفاد من الرواية مع قاعدة الطهارة إلّا أنّه أيضا غير تامّ ، لأنّ الاستصحاب هو عبارة عن الحكم بالبقاء والاستمرار لا استمرار الحكم باستمرار موضوعه ، والمستفاد من الرواية استمرار الحكم باستمرار موضوعه وهو غير الاستصحاب.
__________________
(١) انظر الكفاية ٤٥٢ ـ ٤٥٣.